ثَراء فاحش
عبد الكريم النّاعم
قال صديقي: “يا رجل هل شاهدتَ تلك الموائد، تُعرَض علينا وكأنّنا جميعاً على درجة من البحبوحة، أو لا نعاني من تأمين اللقمة، فبأيّ عقليّة يفكّر هؤلاء، وكيف ينظرون إلى أحاسيس العباد؟”.
قلت: “أمر مؤسف، ومُحزِن ألاّ تؤخَذ الحالة العامّة بالحسبان، لقد جاء في الآداب المحمّديّة، وحين نقول المحمّديّة النّهي عن أن يشوي جارٌ في بيته لحماً فيشمّه جاره وهو عاجز عن شراء اللّحم، وذلك مراعاة للحالات الإنسانيّة، واحتراماً لها، فكيف بالذين يبذخون بذخاً لا حدود له؟!!”.
قاطعني: “لا أقطع حديثك إلاّ بالخير، هل شاهدتَ على الفضائيات بعض الأطعمة والتي يصفون كيفيّة تحضيرها، دون أن يحسبوا حساباً كم تُكلّف، فثمّة طبخات لو أردنا تطبيقها لَما كفاها راتب الشهر، تقول إنّ بعض الناس ليسوا من سكّان هذه الأرض،!! هذا حال الموظّف فما حال بقيّة الناس، الغالبيّة عاجزون عن تأمين الحاجة الضروريّة اليوميّة”.
قلت: “هناك مثل شعبي يقول: “شبعان عم يفتّ لجوعان”، ثمّة مَن لا يشعر بآلام الآخرين، بل ربّما لا يعرف شيئاً عنها فهو من أهل (فوق الفوق)، وعامّة الناس من أهل (تحت التحت)، فكيف يشعر ماذا تعني الحاجة، وهو لم يعرفها في حياته؟!”.
قاطعني: “الأنكى من ذلك الذين كنّا نعرفهم بالأمس على أبواب الفقر، وبأسلوب ما، فإذا هم من أهل السيارات والعقارات، حتى لكأنّ الحرب لا تكتفي بما تتركه من خراب في الدّيار، بل لا بدّ لها من أن تترك خراباً موازياً في النفوس، أمّا التّجار، ورفعهم للأسعار فذلك ممّا يحتاج إلى صفحات”.
قلت: “الذي أعرفه جوهريّاً، أنّ الإسلام المحمدي لا إسلام من باعوا أنفسهم لأمريكا والصهيونيّة قد أوصى بعض فقهائه بأنّ على التاجر أن يدرس شيئاً من الفقْه قبل أن يمارس التجارة مخافة أن يقع في المحظور، فكيف بمن يتعمّد رفع السلعة أضعافاً مضاعفة؟”.
قاطعني: “يبدو أن أهل الثراء عبر التاريخ ما كانوا يتحسّسون آلام عامّة الناس، بل قد لا تخطر لهم على بال”.
قلت: “ها نحن في ساحة من قالت ليأكلوا (كاتّو) حين عرفت أنّ ثورة الجياع انطلقت تطالب بالخبز!!، اسمع يا صديقي، سأقرأ عليك سطوراً مررتُ بها أثناء قراءتي، وهي تصبّ في طاحونة طغيان صاحب المال، جاء في الأثر: “لمّا قُتِل الأفضل أمير الجيوش عام 515 هجريّة (مصر)، خلّف بعده مائة ألف ألف دينار، ومن الدراهم مئةً وخمسين إردبّاً، وخمسةً وسبعين ألف ثوب ديباج، ودواة من الذهب قُوّمَ ما عليها من الجواهر واليواقيت بمائتي ألف دينار، وعشرة بيوت في كلّ بيت منها كذا مسمار ذهب قيمته مائة دينار، على كلّ مسمار عمامة، وخلّف كعبة عنبر يجعل عليها ثيابه إذا نزعها، وخلّف عشرة صناديق مملوءة من الجوهر الفائق الذي لا يوجد مثله، وخلّف خمسمائة صندوق كبار لكسوة حشمه، وخلّف من الزبادي الصيني والبلّور المحكَم وسق مائة جَمَل، وخلّف عشرة آلاف ملعقة فضّة، وثلاثة آلاف ملعقة ذهب، وأربعة قدور ذهب وزنها مائة رطل، وسبعمائة جام ذهباً بفصوص زمرّد، وألف خريطة مملوءة دراهم خارجاً عن الأرادب، في كلّ خريطة عشرة آلاف درهم، وخلّف من الخدَم والرقيق والبغال والجمال وحليّ النساء ما لا يحصي عدده إلاّ الله..”.
قاطعني بانفعال قائلاً: “لقد صار رأسي قدّ الطّبل، قف قليلاً، من أين جاء بكل هذه الأموال هل من تجارة حلال، أم ورثها من أبيه”؟!!.
قلت: “هذا وأمثاله يا صديقي سرقوا قوت الشعب، ونهبوه، وجوّعوه حتى استطاعوا أن يحوزوا على كلّ هذا الثراء”.
aaalnaem@gmail.com