ثقافةصحيفة البعث

محمد ياسين صبيح.. دعوة إلى الاهتمام بالقصة القصيرة جداً

انكماش، عجز، مقاومة، نزق، مسار، عناوين لعتبة نصوص قصص قصيرة جداً، توحي بقراءات وأفكار مستلهمة بواقعية ضمن المجموعات الفائزة في المسابقة العربية الأولى التي أقامتها رابطة القصة القصيرة جداً برئاسة د. محمد ياسين صبيح بالتعاون مع دار دلمون، وأظهرت انتشار هذا الجنس الأدبي عربياً ومحلياً.

والملفت التقاطعات بين المجموعات بالتركيز على المضامين الإنسانية المحمّلة بالوجع والقهر والحرب، إلا أنها تومئ ببارقة أمل بالاستمرار الذي يعدّ قوة ومواجهة.

وقد شغلت الأوضاع الحياتية الصعبة التي تعمّ في دول عدة في المنطقة العربية حيزاً، فعلى سبيل الذكر كتب الفائز بالمركز الثالث من الأردن الكاتب هاني يوسف أبو غليون بمجموعته “ركام الصمت” قصة “انكماش”: “تسلّلتُ إلى بيتي بحذر غافلني صرير الباب، أيقظ أطفالي، تراكضوا نحوي، فتشوا جيوبي، مازالت أيديهم تطارد ثقوبها، خاب بحثها عن كسرة خبز”.

وتطرقت الفائزة بالمركز الأول مرح عبد الرحمن صالح بمجموعتها “زوايا” من سورية إلى الإغراق بالتقاليد وعدم القدرة على التغيير في “مسار”: “اخشوشنت حباله، بدا له، يبس غصنه، تمنى كثيراً لو يصبح مثله، حين استهل التحليق، سقط في حضن أبيه”.

وبفنية غير مباشرة تطرق الفائز بالمركز الثاني من سورية الكاتب حسام عبد الله الساحلي في مجموعته “ساحر” بقصة “عبور” إلى الحرب والبعد النفسي والمصالحة مع الذات: “أنظر إليه بغرابة، ينظر إليّ بفضول، أشير إليه بسبابتي، سبابته تمسح ضباب وجهي، كدنا نتصالح، فرقنا الانفجار، مازالت جثتي تبحث عن رأسه في شظايا المرآة التي كانت بيننا”.

ومن القصص المؤلمة أيضاً ما كتبه الفائز بالمركز الثالث فتحي بوصيدة من تونس بمجموعته “زمن يبحث عن أيام” قصة “عجز”، إذ يدمج فيها بين الزمن ولحظة اتخاذ القرار بالنهوض لتأتي القفلة الصادمة: “على الجدار إلى جانب الساعة علقت جسدي، تك.. تك.. تك، في تناغم كان نبضي مع دقاتها.. تصدع الجدار تسرّب الصقيع إليّ، اختلّ نبضي، وفيما هممت لأعدل عقاربها، كان المسمار قد دقّ على كمّ قميصي”.

الجهات الحكومية والخاصة

وعلى خلفية المسابقة وإعلان المجموعات الفائزة التي ستتمّ طباعتها من قبل دار دلمون مجاناً، توقفت “البعث” مع رئيس رابطة القصة القصيرة جداً في سورية د. محمد ياسين صبيح في حديث خاص:

* ألا ترى أن فوز مجموعات المركز الأول والثاني من سورية يعرّض المسابقة لانتقادات؟.

** المسابقة ليست سورية بل عربية، ونحن المنظمون أعلنّا بأنها مفتوحة لكل الكتّاب العرب، وفوز سورية بالمركزين الأول مرح عبد الرحمن صالح عن مجموعتها “زوايا”، والثاني حسام عبد الله الساحلي عن مجموعته “ساحر”، يعود إلى اللجنة التي قوّمت المجموعات ووضعت الترتيب بناءً على تقييمات دقيقة، ومن بين المراكز الخمسة الأولى فاز مناصفة بالمركز الثالث الكاتب الأردني هاني يوسف أبو غليون عن مجموعته “ركام الصمت”، والكاتب التونسي فتحي بوصيدة عن مجموعته “زمن يبحث عن أيام”، ونوّهت اللجنة بمجموعة “حديث الومضات” للكاتب اللبناني إبراهيم ياسين، إضافة إلى التنويه بالكاتبة أميرة إبراهيم من سورية عن مجموعتها “طافحاً بالشدو”، وهذه نسبة جيدة، ولا يجوز أن نقصي مجموعات تستحق الفوز لمجرد أن الكتّاب من دولة واحدة، فهذا ليس عدلاً، العدل أن نترك اللجنة تضع النتائج النهائية لكل من يستحق، وقد تشكّلت من كتّاب معروفين على صعيد الوطن العربي، من المغرب د. مسلك ميمون، ومن الجزائر د. مريم بغيبغ، ومن سورية زهير سعود وعلي الراعي إضافة إلى مشاركتي باللجنة.

* ما دور رابطة القصة القصيرة جداً بنشر هذا الجنس الأدبي عربياً؟.

** لقد أخذت القصة القصيرة جداً مكاناً واسعاً في السنوات الأخيرة، إذ زاد الاهتمام بها من قبل الكتّاب أولاً ومن قبل القراء، ورغم أن النقد لم يكن مرضياً إلا أنه خطا خطوات كبيرة نحو تأصيلها، وأرى أن الرابطة في سورية ساهمت بشكل كبير بإرساء وترسيخ هذا الجنس الأدبي، خاصة وأنها واكبت تنظيم ملتقيات سنوية في مختلف المدن السورية، وهذا ساعد على انتشارها أفقياً بشكل كبير، وأعتقد أنها الآن تمضي لتشغل مكاناً قوياً وثابتاً لتنافس بقية الأجناس الأدبية الأخرى، رغم الاختلافات الطفيفة حول عناصرها وأساليبها.

* ما أهمية المسابقة العربية الأولى لأفضل مجموعة قصة قصيرة جداً؟.

** المسابقة تعمل على زيادة الاهتمام بهذا الجنس الأدبي بين الكتّاب والنقاد والقراء، وعلى تشجيع الجهات الحكومية والخاصة المعنية بالثقافة والأدب للاهتمام بها وسدّ النقص الحاصل في أغلب المسابقات العربية الكبرى التي تستثنيها، وتسليط الضوء عليها كحالة إبداعية مهمّة جداً، والمساهمة في دعم الكتّاب لنشر مجموعاتهم ورقياً، وبرأيي ستحقق اختراقات كبيرة من خلال انتشارها الأفقي الكبير خلال المرحلة القادمة، ففي هذه المسابقة شاركت ست وثلاثون مجموعة استبعدت منها خمس مجموعات لعدم مطابقتها الشروط.

* بعد نجاح تجربة المسابقة العربية بالتعاون مع دار دلمون، ما هي الخطوة القادمة؟.

** سنعمل على تنظيم ملتقى لتوزيع الجوائز، يضمّ الفائزين وأعضاء لجنة التحكيم وبعض الكتّاب الذين سيقدمون إبداعاتهم، وسيكون حضور الأشقاء العرب وفق الإمكانات المتاحة، ونتمنى أن تصبح المسابقة تقليداً سنوياً.

ملده شويكاني