رأيصحيفة البعث

“معابر” الجولاني.. والانفصاليين!!

أحمد حسن

ربما لا يمكن فهم سبب “استقتال” واشنطن على فتح معابر “إنسانية” جديدة في سورية سوى بالكشف والتنقيب عن خفايا العلاقة “المعقدة” التي تربطها، مصلحياً بالطبع، مع جهات محدّدة على مثال ما يسمى بـ”هيئة تحرير الشام” وزعيمها أبو محمد الجولاني شخصياً في شمال غرب سورية، أو فريق انفصالي محدّد في شمال شرقها.

قبل ذلك لا بد من العودة إلى لحظة “تبشير” الرئيس الأمريكي جو بايدن في مطلع ولايته، بسياسة “الدبلوماسية القصوى” على حساب “الضغوط القصوى”، التي كانت سمة أساسية من سمات عهد سلفه “دونالد ترامب”، حينها لم تكن المفاجأة في مسارعة البعض من ملوك ورؤساء وأولياء عهود -وتابعيهم من الكتاب والإعلاميين إلى يوم قبض الدولار المعلوم- إلى خلع بزّة ترامب “المموّهة” لارتداء “طقم” بايدن الرسمي، فذلك أمر طبيعي للغاية عند ساسة الصدفة من عرب الردة، بل في بروز اسم “أبو محمد الجولاني” زعيم جبهة النصرة الإرهابية كأول منضم إلى “السلك الدبلوماسي” البايديني الجديد، فظهر، في صورة حديثة، ببزّة رسمية “كشخصية متحضّرة”، وأعلن من على منبر إعلامي أمريكي مؤثّر أنه “محارب من أجل الحرية” وأن “حربه” و”حريته” لن تتعديا الساحة السورية، وبالتالي لا خوف على أمريكا ومصالحها منه ومن فريقه، بل إنه أكثر من ذلك سيكون واحداً من “أدوات النفوذ” الأمريكية في هذه الجهة من العالم، وهذه الجهة الشمالية الغربية من سورية أيضاً.

بالمقابل وفي اللحظة ذاتها جدّد فريق انفصالي معروف في شمال شرقي سورية استعداده ليكون واحداً من أتباع واشنطن و”أدوات نفوذها” ومنفذي سياستها بكل تجلياتها سواء قامت على “الضغوط القصوى”، الترامبية كما يقال، أو انتقلت إلى مرحلة “الدبلوماسية القصوى” البايدينية كما يقال أيضاً –وهما في الحقيقية وجهان لعملة واحدة- المهم بالنسبة لهذا الفصيل أن تبقى القوات الأمريكية لحماية مشروعه الانفصالي. واستطراداً، الإعلان عن بقائها هو ما يفسّر عودته السريعة، في كل مرة، عن طريق موسكو الذي سلكه طلباً لمساعدتها في إقامة جسور مع دمشق عقب إعلان “ترامب” نيته سحب قواته من سورية.

هنا، وهنا تحديداً، وبعيداً عن التعابير “والكليشيهات” الإنسانية التي لم تكن واشنطن في واردها يوماً – وتاريخها البعيد والقريب يشهد على ذلك- يمكن فهم قصة “الاستقتال” الأمريكي على المعابر “الإنسانية”!!، فواشنطن التي تحتاج كما يقول بعض دبلوماسييها إلى “مراجعة متأنية” لسياستها اتجاه سورية، تريد، ولو مرحلياً، الاستمرار في الحفاظ على الوضع الراهن، أو ما يسمـى بـ”الجمود الممدّد”، لأنه “استثمار كبير بتكلفة قليلة غير ضاغطة على واشنطن” انتظاراً لتبلور صورة الآتي.

وحتى ذلك الوقت لن تجد واشنطن خيراً من “هيئة تحرير الشام” غربي سورية -بالرغم من قضية التوصيف الإرهابي وتلك قصة أخرى- والانفصاليين شرقها، فـ”منظمة الجولاني شيء نافع لاستراتيجية أميركا في إدلب، وإدلب هي واحدة من أكثر المناطق أهمية في سورية التي هي واحدة من أهم المناطق حالياً في الشرق الأوسط”، كما يقول أحد الدبلوماسيين الأمريكيين، والكلام ذاته ينطبق على شمال شرقي سورية حيث الرئة الاقتصادية التي يتعرض شريانها الواصل مع دمشق لنيران “التحالف الدولي” يومياً بهدف قطعه بالكامل، فيما ثرواتها تعبر، مسروقة على شاحنات هذا التحالف، عبر شريان آخر يصب خارج الجسد السوري بأكمله.

هنا إذاً كل قضية “المعابر”، وكل القضية “الإنسانية!!” فيها، وتلك هي مقاصد واشنطن منها: إبقاء أدوات النفوذ ومناطقها تحت سيطرة واشنطن وبالتالي إبقاء سورية دون حلّ لأزمتها، والحلّ الوحيد لذلك هو ما شهدنا بعضه، أمس، في حقل العمر النفطي للمرة الثانية خلال فترة زمنية قصيرة.. حيث في البدء.. وفي المنتهى، كانت، وستبقى، المقاومة..