ملف “سد النهضة” إلى مزيد من التصعيد.. ومجلس الأمن عاجز!
تقرير إخباري
يعقد مجلس الأمن الدولي الخميس جلسة حول سد النهضة، الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل، ويثير نزاعا مع القاهرة والخرطوم، اللتين تخشيان تأثيره على مواردهما المائية، وفق دبلوماسيين، فيما أكدت اللجنة العليا السودانية لسد النهضة أن الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي أصبح أمراً واقعاً، مشددة على أهمية استمرار الإجراءات الاحترازية لتقليل الآثار السلبية للملء الثاني.
لكن السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة، نيكولا دو ريفيار، أكد “لا أعتقد أن مجلس الأمن قادر بنفسه على إيجاد حل لقضية السد”، مضيفاً: “يمكننا أن نفتح الباب وأن ندعو البلدان الثلاثة إلى الطاولة للتعبير عن مخاوفهم، وتشجيعهم على العودة إلى المفاوضات من أجل إيجاد حل”، متهرّباً من مسؤولياته ومسؤولية مجلس الأمن في حفظ الأمن والسلم الدوليين، فإصرار أثيوبيا “على اتخاذ إجراءات أحادية لفرض الأمر الواقع، وملء وتشغيل سد النهضة دون اتفاق يراعي مصالح الدول الثلاث ويحد من أضرار هذا السد على دولتي المصب (مصر والسودان)، سيزيد من حالة التأزم والتوتر في المنطقة، وسيؤدي إلى خلق وضع يهدد الأمن والسلم على الصعيدين الإقليمي والدولي”، حسبما يؤكد مراقبون.
وتعقد جلسة الأمن بناء على طلب تقدّمت به تونس، العضو غير الدائم في مجلس الأمن، باسم مصر والسودان، وبحضور ممثلين لهما على المستوى الوزاري، وفق مصدر دبلوماسي. وستشارك إثيوبيا في الجلسة على الرغم من معارضة انعقادها، فيما يؤكد مراقبون أن المجلس لن يقدّم جديداً، في هذه القضية لكن مصر سلكت هذا الاتجاه للتأكيد على أنها خاضت كل الوسائل الدبلوماسية المتاحة، وأضافوا: “بعد اللجوء إلى مجلس الأمن لم يعد هناك أي وسائل دبلوماسية أخرى متاحة”.
وفي نهاية الأسبوع الماضي اعتبرت فرنسا، التي تتولى الرئاسة الدورية للمجلس طوال تموز، أن قدرات هذه الهيئة (مجلس الأمن) على إيجاد حل لهذا النزاع محدودة، بما أن القضية في عهدة الاتحاد الإفريقي!، حسب زعمها.
وفي الأسابيع الأخيرة طالبت مصر والسودان بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث قضية السد. وجاء في رسالة وجّهها وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى المجلس: إن المفاوضات متعثّرة منذ نيسان، متّهما إثيوبيا بنسف الجهد الجماعي المبذول من أجل التوصل لاتفاق.
ومنذ العام 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتّفاق حول ملء وتشغيل سدّ النهضة الذي تبنيه أديس أبابا ليصبح أكبر مصدر لتوليد للطاقة الكهرومائية في إفريقيا بقدرة متوقّعة تصل إلى 6500 ميغاواط.
ورغم حضّ مصر والسودان إثيوبيا على تأجيل خططها لملء خزان السد حتى التوصل إلى اتفاق شامل، أعلنت أديس أبابا في 21 تموز 2020 أنها أنجزت المرحلة الأولى من ملء الخزان البالغة سعته 4.9 مليارات متر مكعب، والتي تسمح باختبار أول مضختين في السد.
وتؤكد إثيوبيا باستمرار عزمها على تنفيذ المرحلة الثانية من ملء بحيرة السد، بينما تعتبر مصر، التي يمثل نهر النيل 97 بالمئة من مصادرها في المياه، السد تهديداً وجوديا لها، فيما تخشى الخرطوم أن يؤثّر السد الإثيوبي على عمل سدودها.
وفي هذا السياق، يؤكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، محمد المنيسي، أن التطوّرات في ملف سد النهضة وإبلاغ الجانب الإثيوبي مصر بالبدء في الملء الثاني للسد، تمثّل خطوة جديدة لاستفزاز مصر والسودان، مشيراً إلى أن هناك مشاكل فنية كثيرة للسد الإثيوبي الأمر الذي يجعل من استكماله أمراً مستحيلاً، فهو غير قادر على تحمل هذا الحمل الهائل من المياه المخطط له بواقع 174 مليار متر مكعب، وشدد على أنه لو تم الملء الثاني للسد فإنه لن يتحمّل سوى نحو 3 مليارات متر مكعب، وليس كما يستهدفون ما بين 18 و20 مليار متر مكعب بسبب تلك العيوب الفنية.
اللواء سمير فرج، المفكر الاستراتيجي، أكد، من جانبه، إن “القانون الدولي في صف مصر من أجل الحصول على حقها من مياه النيل”، مضيفاً أن “الدولة المصرية تتحرك دبلوماسيا في قضية سد النهضة على أعلى مستوى، خاصة بعد إعلان إثيوبيا بدء الملء الثاني”، وأضاف أن “مصر تتبع سياسة الاحتواء الاستراتيجي لدولة إثيوبيا في قضية سد النهضة من خلال علاقتها مع الدول المحيطة بأديس أبابا”.
وأوضح أن “زيارة السيسي إلى جيبوتي لها دلالة قوية في ملف التفاوض مع إثيوبيا بشأن سد النهضة”، موضحاً أن “جيبوتي هي الدولة التي تمثل المنفذ البحري الرئيسي لدولة إثيوبيا”، وأشار إلى أن “مصر تنفذ سد روفيجي في تنزانيا المجاورة لإثيوبيا الذي يعد من أكبر السدود في إفريقيا”، وأن “زيارة وزير الخارجية سامح شكري كانت تشمل لقاءات مهمة تمهيداً لجلسة مجلس الأمن حول سد النهضة”.
خبير المياه المصري نادر نور الدين، بدوره، أكد أن ما يحدث من قبل أثيوبيا: “مخالف لقانون الأمم المتحدة للأنهار الدولية العابرة للحدود، ومخالف أيضاً لإعلان مبادئ سد النهضة لعام 2015، والذي يحتم اتفاق الدول الثلاث على الملء قبل البدء في أي مرحلة من مراحل الملء أو التشغيل”، وأضاف: “إثيوبيا تتحدّى المجتمع والقوانين الدولية، وتتعمّد إلحاق الأذى بجيرانها وشركائها في النهر، وبذلك تعلن سيطرتها الكاملة على النيل الأزرق وتدفقاته المائية، وأن السد أصبح بمثابة محبس يمنع ويسمح ويتحكم فيما يذهب من مياه إلى مصر والسودان، وبما لا يمكن لمصر والسودان بقبوله، وبما يجر المنطقة إلى حرب أكيدة”.
أستاذ القانون الدولي المصري نبيل حلمي أكد أن “إثيوبيا ليس لديها إمكانية استخدام المياه ولا استخراج الكهرباء من السد، ومع ذلك فهي مصرّة على جر المنطقة إلى صراعات والدخول في معركة”، وأضاف: “في ظل قناعاتي فإن مجلس الأمن لن يصدر قراراً محدداً في هذا الشأن، وكل ما يمكن أن يتخذه المجلس هو القيام بتحويل الملف إلى الاتحاد الإفريقي أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي بدورها ستقوم بإرسال الملف إلى محكمة العدل الدولية للنظر في الجانب القانوني لا أكثر”!.
وإذ أشار إلى أن “المحكمة ستقوم بتحديد الطرف الذي خالف القانون الدولي في هذه القضية، ومن ثم ستقوم المحكمة الدولية بإرسال الملف ثانية إلى مجلس الأمن أو الجمعية العامة”، فإنه شدد على أن “القاهرة استنفدت كل القنوات الدبلوماسية والأساليب السلمية في قضية سد النهضة ومستعدة لكل الخطوات في سبيل حل هذه القضية وعلى المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته”.