على إيقاع مواءمة الأسئلة مع المناهج.. نتائج المدارس الحكومية تقول كلمتها.. وتؤكد التفوق!!
مع إعلان نتائج الشهادة الثانوية كل عام يثبت التعليم الحكومي تفوقه على المدارس الخاصة بنسبة أكثر من 75%، لاسيما أن الطلاب الأوائل لهذا العام من الفرع العلمي 14 طالباً وطالبة من أصل 19 طالباً وطالبة حصلوا على العلامة التامة، علماً أن الأوائل الثلاثة في الفرع الأدبي من المدارس الحكومية.
نتائج تدحض
ولم يكن هذا العام مختلفاً في التفوق لصالح المدارس الحكومية، بل على مدار سنوات ماضية وخاصة خلال سنوات الحرب حيث استطاعت المدارس الحكومية أن تؤكد التفوق والتميز بالنتائج.
وتدحض الإحصائيات والنتائج رأي بعض المختصين بالشأن التربوي بأن المدارس العامة عجزت على مجاراة الخاصة على الرغم من أن التعليم الحكومي حظي على مر السنوات بالاهتمام والرعاية، حيث كفل الدستور السوري حق التعليم لكل مواطن بشكل إلزامي ومجاني في مراحل التعليم الأساسي، إلا أن الزيادة السكانية والتطورات التربوية العالمية وعدم قدرة المدارس الحكومية العامة بإمكانياتها القليلة على مجاراة التغيرات التربوية، فرض ظهور مدارس خاصة إلى جانب المدارس الحكومية العامة حسب تأكيدات الاختصاصية في كلية التربية الدكتورة نسرين موشلي.
مواكبة مناهج
وفي تصريح لـ “البعث”، اعتبر وزير التربية الدكتور دارم طباع أن التفوق الدراسي يأتي نتيجة مواءمة المنهاج وطرق التدريس والنماذج الامتحانية، حيث تشتغل وزارة التربية على اعتماد الأسئلة المهارية والاستنتاجية بنسبة تزيد عن 60% مقابل الأسئلة الحفظية، مشيراً إلى أهمية مواكبة التطوير المعرفي والاستفادة من الدورات وورشات العمل حول طرائق التدريس.
ازدياد على الخاص
ويشير مختصون إلى انتشار المدارس الخاصة بشكل كبير في جميع المحافظات ولكافة المراحل الدراسية (رياض أطفال، تعليم أساسي)، وازداد الطلب عليها بشكل ملحوظ نظراً للامتيازات التي تقدمها مقارنة بالمدارس الحكومية العامة، من حيث البناء والتجهيزات والتقنيات الحديثة (وسائل التعليم) وطول ساعات الدوام بما يناسب الأمهات العاملات وتوفر النقل.. إلخ.
اعتماد المنتج
هنا، يؤكد وزير التربية على أهمية المنتج العلمي بغض النظر على تعدد أساليب الترفيه في المدارس الخاصة، وخاصة أن الوزارة تعمل على اعتماد تراخيص المؤسسات التعليمية الخاصة بما يتوافق من مخرجات تعليمية بعيداً عن المساحات والغرف الصفية والملاعب وغيرها من الشروط المطلوبة بالتراخيص.
وترى الدكتورة موشلي أن بعض المعلمين لا يطبقون الأنشطة اللاصفية نظراً لعدم وجود الإمكانيات، أو عدم رغبتهم بذلك، أو لضيق الوقت في الحصص الدراسية، مما جعل المنهاج المقدم للطلبة جافا وتجريديا ولا يسهم بالتفاعل مع الوسط المحيط، وأصبح الطالب لا يستطيع الحصول على أنشطة غلا من خلال مؤسسات خاصة وليس من جهة تربوية معتمدة، وفق موشلي.
غياب التطبيق
وترى الدكتورة موشلي أن غياب التطبيق الصحيح للأنشطة اللاصفية في المدارس الحكومية دفع بالكثير من الأهل للتوجه نحو المدارس الخاصة نظراً لاعتمادها على الأنشطة الجذابة والداعمة للمنهاج أكثر من المدارس الحكومية، محملة وزارة التربية مسؤولية العمل الجاد لإيجاد حل إسعافي ضمن الإمكانيات المتاحة، وإلا سيتحول التعليم العام إلى مجرد تلقين وينعزل عن مجاراة التغيرات المعرفية العالمية.
رأي الدكتورة موشلي اعتبرته مدير مركز تطوير المناهج في وزارة التربية، الدكتورة ناديا الغزولي، مبالغا فيه، وخاصة أن العديد من المدارس العامة استطاعت أن تثبت وجودها بكادرها التعليمي والإداري، والدليل على ذلك أن من يتفوقون في الشهادات العامة ليسوا كلهم من طلاب المدارس الخاصة، مؤيدة كلامها بالنتائج المحققة في الأعوام الدراسية الماضية، ولاسيما هذا العام والتفوق الكبير للمدارس الحكومية، إذ أن من حصل على المراتب الأولى العام الحالي للدورة الأولى أغلبهم كانوا من مدارس المتفوقين والمدارس العامة، مؤكدة أن المدارس الخاصة شريك في النظام التربوي وليست ضده، تفوقها يعود إيجاباً على الجميع.
اهتمام بالقشور
ومن قضية التفاضل بين الخاص والحكومي، يطالعنا خبراء تربويون بأن طلاب المدارس الخاصة أكثر حاجة للدروس الخصوصية من طلاب المدارس العامة، مهما كانت المدرسة الخاصة حديثة ولها سمعتها، بل ويتناسب الأمر طرداً مع حاجة طلابها للدروس الخصوصية. وقد أظهر استبيان من أرض الواقع دقة ذلك، لاسيما أن طلاب المدارس الخاصة يبحثون عن مدرسين للدروس الخاصة، لأنّ هذه المدارس اهتمت بالقشور (مسابح ملاعب مسرح وفرق فنية وترفيه رحلات) ولم تبحث عن كيفية تطوير التعليم حسب رأي الخبيرة التربوية راغدة محمود التي اعتبرت أن الطالب في المدارس الخاصة يتحدث عن الأنشطة اللاصفية بعيداً عن جوهر التعليم وربطه بسوق العمل والتخصصات التي يحتاجها المجتمع.
خلل اجتماعي
أما الدكتورة موشلي فأوضحت أن ظاهرة الدروس الخصوصية، سواء في المدارس العامة أم الخاصة، هي إشكالية في النظام التعليمي سيما في الخاصة منها، حيث باتت نوعا من الموضة المجتمعية التي تتنافس فيها العائلات الثرية لإثبات الوجود من باب ما يسمى بالعامية “البروظة”، إذ من العيب عدم تكليف معلم أو مدرس متخصص لمتابعة دروس الأبناء في المنزل.
ويستغرب الخبير التربوي جابر معمرجي التغيير الحاصل بالانتقال على المدارس الخاصة التي لم تعد تقبل تسجيل الطلاب إلا للمتفوقين حصراً، في حين كان العرف في السابق أن من يفشل في التعليم الحكومي يبحث عن مدرسة خاصة لكي يكمل تعليمه، مؤكداً كفاءة المدرسين في المدارس الحكومية والجهود الكبيرة المقدمة في سبيل إنجاح العملية التعليمية رغم كل الظروف الصعبة والاكتظاظ الكبير في المدارس العامة.
إرباكات في الخاص
ومع إصرار أغلب الأهالي على نظرتهم بأن التعليم الخاص هو المنقذ لأبنائهم ويحقق التفوق لهم، تعتبر الدكتورة العزولي أن المدارس الحكومية أثبتت في طرق التدريس الحديث وفق الدورات التي اتبعها المدرسين نجاحاً انعكس على مهارات الطالب وأدائه في الامتحانات في الوقت الذي حافظ مدرسو الخاص على أسلوب التدريس القديم بالحفظ والتلقين واختيار النماذج والتوقعات، ما سبب إرباكات للطلاب، لاسيما أن أسئلة الامتحانات جاءت شاملة معتمدة على الفهم والمهارات لدى الطالب.
وكشفت الدكتورة العزولي عن طلب المدارس الخاصة من مركز تطوير المناهج تشميل مدرسيها بالدورات وورشات العمل من أجل مواكبة تطوير المناهج وتغيير أسلوب طرق التدريس في مدارسها.
ومع الإشكاليات المطروحة، ومن خلال الإضاءة ولو بشكل بسيط على ما سبق، يتفق الخبراء التربويون على أن نظامنا التربوي التعليمي يحتاج إلى إعادة هيكلة جديدة تشمل إعداد المناهج بما يتناسب مع التغيرات المعرفية العالمية واحتياجات سوق العمل المحلي، وإعداد المعلم ورفده بمهارات متجددة بما يخص التدريس وطرائقه، وإعادة تجهيز المدارس بما يتناسب مع التطورات التكنولوجية، ورسم قوانين ضابطة للعملية التعليمية سواء للتعليم الخاص أو العام.
إشكاليات موجودة
وتؤكد العزولي أن الإشكالات السابقة لا تفرز هذه النتيجة كون تلك الإشكاليات موجودة في كل زمان ومكان وفي أي دولة أخرى، مبينة أن المشكلة دائماً في التعميم الخاطئ، وخاصة أن النظام التربوي حريص كل الحرص على مواكبة المستجدات العالمية من طرائق تدريس من أساليب تربوية متطورة، لكن عدم مواكبة بعض زملائنا لذلك لا يعني أن المنهجية غير صحيحة.
علي حسون