الأسبوع السينمائي الأرجنتيني في الأوبرا
افتتحت في دار الأوبرا أيام الأسبوع السينمائي الأرجنتيني بالتعاون بين السفارة الأرجنتينية ووزارة الثقافة- المؤسسة العامة للسينما، بغية تقارب الثقافات والتعرّف على خصوصية السينما الأرجنتينية واتصفت موضوعاتها الدرامية بالعمق الإنساني إضافة إلى السينما التوثيقية ما جعلها تتسيّد أفلام أمريكا اللاتينية وتصبح أشهر أنواع سينمات أمريكا اللاتينية وأكثرها تطوراً في القرن العشرين.
مقاربات سينمائية
ابتدأت وزيرة الثقافة د. لبانة مشوح حديثها في افتتاح المهرجان من الصرح الحضاري الكبير دار الأوبرا المكان الذي يستمد قوته من الحضارة السورية، وأشادت بما تقدمه المؤسسة العامة للسينما التي جددت من آليات عملها بانتقاء الأفلام والمخرجين والسيناريوهات وبالتأني بإنتاج العمل السينمائي المكلف جداً، وأثنت على المهرجان ليس لأنه يمتن علاقة الصداقة بين البلدين فقط، وإنما لأنه يتيح للجمهور السوري أن يكون على احتكاك مباشر مع فكر جديد ومقاربات سينمائية مبتكرة وتقنيات جديدة، كون وزارة الثقافة تطمح لتطوير صناعتها السينمائية لتصبح رافداً من روافد الاقتصاد الوطني لا عبئاً عليه، وتمنّت متابعة خاصة من قبل طلاب اللغة الإسبانية في كلية الآداب.
التآخي الثقافي
وتحدث سفير الأرجنتين في دمشق سبيستيان زافالا عن الثقافة التي توحّد الشعوب المتآخية، وعن المجتمع الأرجنتيني الذي اغتنى بمواطنيه من أصول سورية الذين قدموا الكثير للأرجنتين.
السينما ومحاكاة المجتمع
وأعرب مراد شاهين المدير العام للمؤسسة أن السينما تستمد البعد الثقافي والحضاري من واقع شعوبها، وتوقف عند هذا المهرجان الذي ينقل صورة عن ثقافة الأرجنتين من خلال السينما التي تعكس هويتها ومحاكاتها للمجتمع، وبيّن أن الأفلام تمّ اختيارها من قبل السفارة وعُرضت على المؤسسة، وسيكون هذا المهرجان بداية لمهرجانات قادمة، إذ تمّ التنسيق مع السفارة التشيكية والإيرانية والبرازيلية والروسية، كما تتمّ التحضيرات مع سفارات أخرى.
الواقعية والرومانسية
يركز فيلم “إلسا وفريد” الذي افتتح المهرجان على الحب المتأخر الذي يصادفه الإنسان بعد أن يكون خارجاً عن دائرة الحياة الصاخبة في نهاية العمر، ليحقق الحلم الذي اعتقدت إلسا أن من المستحيل تحقيقه وهي امرأة مسنة، وضمن الخط الرئيسي للحبكة يتناول أبعاداً حياتية وإنسانية من حيث الارتباط العائلي والاهتمام بالوالدين ولاسيما في حالة المرض، وتطرق إلى تربية الطفل على الصراحة وعدم الاستسلام للخوف، وإلى الفن التشكيلي والصعوبات التي يواجهها الفنان، وأهمية الفنون في حياة الإنسان ولاسيما السينما.
بدت الرومانسية ليس فقط في مضمون القصة وإنما في كل التفاصيل التي استخدمها المخرج كارنيغال لتشكيل المنحى العام للفيلم ابتداءً من الإضاءة الخافتة المسائية إلى اللقطات القريبة للممثلين إلى الحوارات الطويلة من داخل منزلي إلسا وفريد الجارين في طابق واحد وفي لقاءاتهما المشتركة، وانتقل المخرج بالأحداث من مدريد إلى معالم روما وجمالياتها ونافورة تريفي التي كان لها دور كبير بالأحداث.
تبدأ الأحداث بإطار واقعي بانتقال فريد -فيدريكو لوبي- إلى منزله الجديد بعد وفاة زوجته، فيصبح جار إلسا -تشانيا زوريلا- المرأة التي تهتمّ بشكلها رغم أنها مسنة وتعترض على ابنها حينما يذكرها بأنها امرأة مسنة، لأنها تدرك أن الإنسان يجب أن يعيش جماليات الحياة ويتمتع بكل جزئياتها خاصة حينما يعرف أنه مريض ولديه أشهر قليلة فقط، وتبدو إلسا مرحة ولا تكترث بالأشياء حولها ولا تتحمل المسؤولية، تلجأ للكذب لحماية نفسها وهي جميلة شقراء فاتنة كما تصف نفسها تشبه البطلة أنتيا إيكيبرغ في مشهد فيلم دولشي فيتا في نافورة تريفي، وتحلم بتحقيق حلمها مع الرجل الذي تحبه ويأخذ دور مارسيلو في الفيلم، الذي استحضره المخرج مرات عدة.
فيلم داخل فيلم
تتعرف إلى فريد بعد أن صدمت سيارة ابنته لتدفع له ثمن الإصلاح فتختلق الأكاذيب ليعيد لها المال، وتشعر بحب جارف تجاهه منذ اللقاء الأول في الوقت الذي يكون فيه فريد حزيناً على وفاة زوجته التي أخلص لها، ويعاني من رهاب المرض رغم أنه ليس مريضاً بمرض خطير، وتتتالى اللقاءات ويفصح كل منهما للآخر عن سنوات حياته، فريد الذي عاش حياة رتيبة منظمة جداً مع زوجته أكثر من أربعين عاماً، وإلسا التي انفصلت عن زوجها بسبب الخيانة، وتمضي مشاهد الحب والصداقة بينهما برومانسية طاغية لا تخلو من الفكاهة مثل المشهد الذي يهربان فيه من المطعم دون دفع الفاتورة الباهظة، وتوقف سيارة إلسا لنفاد الوقود.
الحدث الفاصل في معرفة فريد بالمصادفة أن إلسا مريضة بالفشل الكلوي وتقوم بغسل الكلى، فيقرر أن يحقق حلمها فيشتري بطاقات السفر إلى روما ويعتذر من ابنته وزوجها عن استثمار ثروته في مشروعهما بمقهى الإنترنت “سأستثمر ثروتي لسعادتي”، بعد رحلة روما تموت إلسا ويكتشف فريد في المشهد الأخير وهو يضع باقة الورود البيضاء على قبرها بأنها كذبت عليه كما قال له حفيده: “إنها أكبر منك في الثانية والثمانين”، فيبتسم ويستعيد المشهد حينما قالت له “أنا أصغر منك بسنة، أنا في السابعة والسبعين”.
ملده شويكاني