الجامعات الأمريكية ودورها المشبوه في الوطن العربي
د. رحيم هادي الشمخي
كاتب عراقي
ينتشر نموذج التعليم العالي (وما قبل العالي) الأمريكي في كل أنحاء الوطن العربي، حتى إن دول المغرب العربي، التي كانت ولاتزال تقع في نطاق المنطقة الفرانكفونية التي يغلب عليها التعليم الفرنسي، بدأت تأخذ بالنموذج الأمريكي، وإن كان في حدود ضيّقة حتى الآن، ومهما كانت اختصاصات هذه المؤسسات، فإنها لا تنقل مناهج وأساليب فنية للتعليم فحسب، ولكنها تحمل فكر المجتمع وثقافته، وتوجهات الدولة الذي تنتمي إليه، وأشكال التعليم العابر للحدود من الولايات المتحدة، وبالتحديد بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001، لا تقتصر على برامج دراسية أو مؤسسات متفرقة تزاول نشاطها في أنحاء الوطن العربي، ولكن تخفي وراءها استراتيجيات معينة للتأثير والتغيير، ويدلّ على ذلك اهتمام جهات أمريكية رسمية بدراسة مدى التأثير الذي تحدثه هذه المؤسسات في المنطقة العربية ومتابعة هذا التأثير.
على سبيل المثال، عقدت لجنة العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة في آذار 2020 ندوة مهمة ترأسها رئيس جامعة كولومبيان وكان موضوعها «الجامعات الأمريكية في الشرق الأوسط ودورها كوسيط للتغيير في العالم العربي». أما المتحدثون في الندوة، فكانوا أربعة من رؤساء أكبر فروع للجامعات الأمريكية في الوطن العربي، وقد كشف المتحدّثون بوضوح كيف تؤدي الجامعات الأمريكية دوراً مؤثراً وإيجابياً (من وجهة نظرهم) كوسيط للتغيير في المنطقة العربية.
وكان أحد الأدوار التي نوقشت في الندوة إتاحة الفرصة للطلبة للتعرّض لتجربة تعليمية، حيث يجتمع المنطق والقلم معاً، فيتعلّم الطلبة كيف يحلّون النزاع من خلال وسائل سلمية، ويتعلّمون كيف يقبلون الآخر، رغم أنه يحمل أفكاراً مختلفة، من دون الحاجة إلى اللجوء إلى العنف، وهنا قد لا يوجد اعتراض على قيم مثل قبول الآخر أو نبذ العنف في حدّ ذاته، وإنما تكمن الخطورة في أن هذه القيم قد تكون منتقاة لغرض قبول «إسرائيل» في المنطقة العربية من دون تعرّض الطالب لحقائق موضوعية تتناول طبيعة «إسرائيل» كدولة عنصرية مغتصبة للأرض الفلسطينية، تتبنى منهج العنف في التعامل بهمجية ووحشية مع الشعب الفلسطيني، وتحاصره في قوته اليومي ومصدر رزقه، وتعتقل وتسجن النساء والأطفال في سجونها لسنوات طويلة، وتماطل في عملية السلام لسنوات وسنوات.
أما قناة التأثير الثانية، فتكون من خلال جيش الخريجين من الجامعات الأمريكية الذين يشغلون مناصب مهمة في المجتمعات العربية المختلفة، وعلى سبيل المثال، يشغل خريجو الجامعة الأمريكية في القاهرة وظائف متميزة، سواء على المستوى الدولي أو على المستوى المحلي في مصر، فوفقاً لما ذكره رئيس الجامعة (وقتئذ) في الندوة المذكورة، يتبيّن مايلي:
يرتبط قسم العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة بقناة مباشرة مع الخارجية المصرية، كما يشغل خريجو الجامعة الأمريكية أعلى مستوى وظيفي في السفارات المصرية والقنصليات حول لعالم، لذلك فالتحدي الأكبر الذي يواجه هؤلاء الخريجين هو:
- ضعف معرفتهم باللغة العربية، لأنهم غير مدربين جيداً عليها، ويأخذ بعضهم دروساً للتقوية في اللغة العربية من أجل النجاح في امتحان القبول في الخارجية.
- يوجد عدد كبير من خريجي الجامعة يعملون في المؤسسات الدولية للأمم المتحدة في مناطق مختلفة من العالم.
- يوظف عدد قليل من الخريجين في مجال الخدمات الحكومية، إلا أنهم يحصدون الوظائف الحكومية المهمة، فيعملون مع وزراء مهتمين بالإصلاح والتغيير كمستشارين في وزارة المالية، أو في البنك المركزي، وغير هذه من هذه المناصب المهمة في الحكومة.
أما تطبيع العلاقات مع «إسرائيل»، ومدى وجود تبادل علمي وأكاديمي بين الجامعات الأمريكية في المنطقة وجامعات «إسرائيل»، فهي القضية الثالثة التي حظيت باهتمام كبير في الندوة حول دور الجامعات الأمريكية كوسيط للتغيير في الوطن العربي.
وباعتبار أن الجامعات الأمريكية والأجنبية عموماً تأتي بمحتوى ثقافي وفكري معيّن تستهدف نقله إلى الشباب العربي، يصبح من الضروري الحدّ من وجودها في الوطن العربي، أو عدم السماح بالاستقلال التام لها على أقلّ تقدير، كما يصبح من المفيد الإشراف على مناهجها وبرامجها الدراسية وأنشطتها مع العالم الخارجي على نحو يحافظ على أمن الوطن العربي، دون تقييد للحريات الأكاديمية المعروفة، ومثل هذا التدخل تتخذه دول مختلفة لحماية مصالحها، كما رأينا في حالات كل من ماليزيا وأندونيسيا والصين، بل وفي الولايات المتحدة ذاتها، التي لا تمانع في الحدّ من الحريات الأكاديمية عندما تتعرض مصالحها أو مصالح حليفتها «إسرائيل» لأي تجاوزات.