خطوة أوروبية للخروج من عباءة الولايات المتحدة
تقرير إخباري
ردد الرئيس الأمريكي جو بايدن مرات عدة أن الولايات المتحدة الأمريكية عادت خلال القمة الأوروبية – الأمريكية التي تم عقدها في العاصمة البلجيكية بروكسل خلال الشهر الماضي، وكان يقصد أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن أوروبا ولن تتخلى عن دورها في حماية حلفائها. ما تخفيه النوايا هو دفع القارة العجوز إلى مواجهة مع جمهورية الصين الشعبية وجمهورية روسيا الاتحادية، لكن تلك النداءات وترديد تلك العبارة (أمريكا عادت) لن تفلح في ثني أوروبا عن انتهاج خط سياسي واقتصادي مستقل بخصوص علاقاتها الدولية، وذلك في تأكيد على الفصل شبه التام بين مصالح الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
من الواضح أن ألمانيا وفرنسا تمثلان أكبر وأقوى الدول الأوروبية، وهاتان الدولتان تواصلتا مع الصين، فقد تم عقد قمة افتراضية عبر الفيديو (كونفيرانس) جمعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من جهة، والرئيس الصيني شي جين بينغ من جهة ثانية. تلك القمة الافتراضية أشارت إلى أن ألمانيا وفرنسا – البلدين الأوروبيين الأكبر والأكثر تأثيراً والأهم دوراً في أوروبا بشكل عام، وفي الاتحاد الأوروبي بشكل خاص- ليسا على استعداد للتفريط بمصالحهما الخاصة مع دول عظمى مثل الصين بناء على رغبة الرئيس الأمريكي بايدن، وبالتالي فإن ألمانيا وفرنسا يوجهان رسالة مباشرة إلى الولايات المتحدة بأن تضارب المصالح الأمريكية – الصينية، والصراع على المصالح والنفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري والنظام العالمي، هما شأن لا يخص دول الاتحاد الأوروبي التي تراعي في الوقت نفسه مصالحها مع الولايات المتحدة من دون أن تكون شريكة في المواجهة مع الصين.
لقد كان من نتائج ذلك المؤتمر الافتراضي الذي دام نحو الساعة من الزمن أن القادة الثلاثة اتفقوا على تقوية العلاقات البينية بين الاتحاد الأوروبي مع الصين، إضافة إلى أنهم ناقشوا العلاقات الدولية وأهمية تقدير واحترام بعضهم البعض، وتقليل الخلافات والقضايا العالقة بين الطرفين من خلال تعزيز الحوار السلمي.
كما ناقش القادة الثلاثة المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني وهو ملف استراتيجي وهام، ودعوا جميع الأطراف المعنية إلى اغتنام الفرصة التي تتيحها محادثات فيينا للتوصل إلى اتفاق مناسب. في المقابل دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى علاقاتٍ مستقرة ومتوازنة بين الدول الكبرى، ونقلت صحيفة الصين الجديدة (نيو تشاينا) عن شي قوله: “إنَّ أكثر ما تريده جمهورية الصين الشعبية هو أن تتطور بدلاً من أن تحل محل الآخرين”. هذا القول الهام يتضمن إشارة واضحة من الرئيس الصيني إلى أن الصين ترفض خوض صراع مع أية دولة، بل توسيع التوافق والتعاون مع أوروبا، وتوفير بيئة شفافة وعادلة وغير تمييزية للشركات الصينية بما يتوافق مع مبادئ السوق الحر. والأبعد من ذلك أن يلعب الجانب الأوروبي دوراً إيجابياً في مجال الشؤون الدولية، وأن يظهر حقاً استقلاله الاستراتيجي بشكل أو بآخر، وهي دعوة مباشرة للاتحاد الأوروبي للتخلص من الضغوط الأمريكية المستمرة وعدم الانضمام في تحالفات تضر بالمصالح الأوروبية.
ريا خوري