حال الدنيا” عرض مونودراما بزخم درامي متوهج
حمص- آصف إبراهيم
عندما قال الكاتب والمخرج المسرحي الانكليزي بيتر بروك إن “المونودراما تفقد المسرح الكثير من ألقه”، كان يدرك أن امتلاك الممثل الأوحد لناصية النص المسرحي وتقمص روح الشخصية بانفعالاتها النفسية وتداعياتها الداخلية بالأسلوب الذي يجعل الجمهور يلتقط الرسالة دون ملل أو تثاؤب هو استثناء ليس من اليسير الوصول إليه، لكن عندما يتوفر النص المسبوك بعمق ومتانة وفهم واسع لصراعات الذات البشرية، وعندما يمتلك الممثل القدرة على تقمص روح النص بكل دلالاته وأبعاده عندها يمكن أن نخرج بعرض مونودرامي متوهج وخلَّاق.
وفي العرض المونودرامي الذي قدمه الفنان حسين عرب تمثيلاً وإخراجاً على خشبة مسرح قصر الثقافة بحمص يومي الخميس والجمعة الماضيين عن نص للكاتب الراحل ممدوح عدوان، ويمكن القول أنه عرض تخطى الحالة المونودرامية إلى الفعل الدرامي المتكامل الشروط، بهدوء وثقة دون أن يقحم نفسه في الحالة الخطابية والشعاراتية والتجسيد الحكواتي الذي يتورط به لا إرادياً الكثير من المغامرين في التجريب المسرحي، باعتبار صعوبة الاستحواذ على الفعل الدرامي في هذا النوع من الفن المسرحي الذي يقوم على كاهل شخصية واحدة تحتاج الى ممثل متمكن من أدواته.
الفهم الجيد لهذا الفن المسرحي جعل الفنان حسين ينجح في ضبط إيقاع العرض وتجنب رتابة الظهور المتتابع على الخشبة عبر تناص بارع مع واقع الشخصية التي يمكننا القول إنه تمكن بوعي بصري وفكري من تفكيك ملامحها ونقل هواجسها وانفعالاتها التي رسمها الراحل ممدوح عدوان مستعيناً بتجربته الحياتية وفهمه العميق لمكنونات النفس البشرية.
لم يُشعر حسين المتلقي في عرضه “حال الدنيا” أنه يتحدث الى الفراغ أو يهذي مع ذاته، وإنما تمكن من خلق حالة تفاعل درامي متصاعد بتواتر منتظم معتمداً على سينوغرافيا وظفها توظيفاً فعالاً ومقنعاً مثل الصور المعلقة على الجدار التي أخذت دور الشخصيات الأخرى في العرض، معتمداً على الاضاءة لشد انتباه المتلقي ونقله بينه وبين الطرف الآخر، وكذلك الهاتف كأداة للحوار مع طرف آخر، كما وظف جرس الباب وقطع الأثاث الموزعة في الغرفة باعتبارها مشاركة في الحدث، مستعيناً بحركات وملامح جسدية تتلاءم والحالة الانفعالية التي يفرضها الموقف أو الفعل المسرحي بهدوء وثقة خالية من المبالغة والتهويل المفرط في إبراز التعبير الانفعالي.
نص “حال الدنيا” للكاتب ممدوح عدوان الذي يقوم عليه عرض حسين عرب وتقدمه مديرية المسارح – مسرح قومي حمص يتناول قصة رجل يعاني من صراع داخلي وتأزم عاطفي سببه مرض زوجته التي أصبحت عاجزة عن تلبية متطلباته كرجل، فيتمنى موتها السريع ليتفرغ لحياته، ويسعى بشكل لاإرادي نحو ذلك عندما يعبّر لها علناً عن رغبته بالزواج وتأخره عن إعطائها الدواء المعتاد، وعدم إخفاء ميله نحو سميرة التي تقوم برعاية ومساعدة زوجته، وفي يوم موتها يقرر فتح العزاء في بيت ولده الأكبر عادل ليعود إلى البيت وحيداً ويسترجع شريط حياته وصراعه النفسي مع شهواته الجسدية، وضعفه أمام ضغوطات الحياة لينسج حواراً افتراضياً مع زوجته من خلال صورتها المعلقة عبر استرجاع أحداث الأيام الاخيرة من مرضها وانعكاس ذلك على مزاجه النفسي وتصرفاته، وحواره مع أولاده الثلاثة، من خلال الصور المعلقة على جدران الغرفة، وجهاز الهاتف، استطاع الممثل اعطاءه بعداً درامياً شد الجمهور الذي تفاعل معه حتى النهاية.