مياه الفرات والنيل غاية “إسرائيلية”
سنان حسن
في الوقت الذي لا يتوقف فيه عن انتهاك سيادة سورية والعراق واحتلال أراضيهما، ينتقل النظام التركي، من بوابة المياه، إلى وسيلة جديدة للضغط والابتزاز لتحقيق أهدافه ومراميه في هاتين الدولتين اللتين يراهما حقاً من حقوقه العثمانية الغابرة، حيث لا يتوانى لحظة واحدة عن تقليص الحصص المائية المتفق عليها معهما، ما تسبب مؤخراً في تراجع مخيف في منسوب المياه المتدفقة في نهر الفرات، الأمر الذي ينذر بقرب وقوع كارثة بشرية تهدّد المدن والبلدات الواقعة على طول سرير النهر بسبب نقص المياه الكافية للشرب.
تاريخياً يحكم العلاقة بين سورية وتركيا بشأن حصص المياه من الفرات برتوكول وليس اتفاقاً تم توقيعه عام 1987، وتحصل بموجبه سورية على 500 متر مكعب بالثانية من مياه النهر، وعلى الرغم من أن الاتفاق مجحف بحق سورية ولا يحقق الفائدة المرجوة منه، ولاسيما أن جزءاً من المياه الواصلة إليها سيكمل طريقه إلى العراق بلد المصبّ، الذي طالب هو الآخر بنصيبه من المياه، إلا أن الجانب التركي واصل المماطلة في تنفيذه وعدم تمرير الكمية المتفق عليها، حتى إنه رفض بشكل كامل توقيع اتفاق ثلاثي مع سورية والعراق لتقاسم مياه النهرين على الرغم من كل المحاولات التي بذلها الطرفان لذلك، والذريعة أن أحد خبرائه القانونيين يقول إن “نهري دجلة والفرات مياه عابرة للحدود وليسا نهرين دوليين وإن لتركيا السيادة المطلقة على قسم من النهر الذي يقع داخل أراضيها”. وعليه فقد بقيت تركيا تتحكم بالمياه وفق ما تقتضيه أهواؤها السياسية والتوسعية.
مع بداية الحرب الإرهابية على سورية عام 2011، دخلت عملية الابتزاز بالمياه منعطفاً آخر لنظام العدالة والتنمية الإخواني، فالأوضاع الميدانية المضطربة على امتداد الحدود السورية دفعت النظام التركي إلى مواصلة الابتزاز بورقة المياه مع غياب أي تدخل دولي لحماية الحقوق السورية في المياه، وما زاد الطين بلّة احتلال الفصائل الإخوانية التي يدعمها نظام أنقرة مدينة رأس العين الحدودية في عام 2019، التي تضم مركز علوك لتوزيع المياه إلى مدينة الحسكة والبلدات المحيطة بها، حيث عمدت هذه المجاميع أيضاً إلى قطع المياه عن أكثر من مليون نسمة لأكثر من عشر مرات منذ انتشار وباء كورونا عام 2020 ولا تزال، ما شكّل عاملاً إضافياً في تدهور الأوضاع الصحية والإنسانية في تلك المنطقة وتهديداً لحياة الملايين بسبب نقص أدنى مقومات الحياة وهي المياه.
إن الممارسات التي ينتهجها النظام التركي بقيادة رجب طيب أردوغان في سورية لا تختلف عن ممارسات كيان الاحتلال الإسرائيلي في الجولان السوري المحتل من سرقة المياه وحرمان السوريين من الاستفادة منها، وهذا يتطابق مع ما قاله رئيس وزراء كيان العدو ديفيد بن غوريون عام 1955: “إن الحروب القادمة مع العرب هي حرب على المياه”، والتي بالمناسبة تبدو في صورة مشابهة لما تقوم به إثيوبيا مع مصر والسودان وحرمانهما من مياه نهر النيل بحجة الاستفادة من سد النهضة. إذن نحن أمام حرب مياه مفتوحة للسيطرة والتحكم بأرواح آلاف بل ملايين العرب واحتلال أراضيهم خدمة لأهدافهم التوسعية.
أمام هذا المشهد المعقّد تبدو الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عاجزين عن وضع حدّ لممارسات أردوغان وعصابته الإخوانية ودفعه إلى الالتزام بقواعد القانون الإنساني الدولي، الذي يحرّم استخدام المياه كسلاح حرب.. ما يعني أن الجرائم التركية بحق الشعب السوري ستبقى مستمرة ما لم يبادر جميع السوريين دون استثناء لوضع حدّ للصّ العثماني في تعدّيه الدائم على الشعب السوري وحقوقه.