الغرب وماضيه الإجرامي
عناية ناصر
غطّت صحيفة “واشنطن بوست” قصة فتاة تبلغ من العمر 12 عاماً، طالبة من ألاسكا، دُفنت رفاتها منذ أكثر من 100 عام في بنسلفانيا، وكانت من بين أكثر من 100000 طفل من السكان الأصليين تمّ توزيعهم على نحو 375 مدرسة داخلية في جميع أنحاء الولايات المتحدة من أواخر القرن التاسع عشر وحتى الستينيات، حيث كان يعتقد أنه يمكن “تحضيرهم” وفقاً للرواية البيضاء من خلال إجبارهم على مغادرة منازلهم.
ونقلت الصحيفة عن كريستين دييسي ماكليف، المديرة التنفيذية لائتلاف العلاج بالمدارس الداخلية الأمريكية الأصلية، قولها: “إن أخذ الأطفال بعيداً عن منازلهم وعائلاتهم وإخضاعهم للاندماج هو ارتكاب إبادة جماعية ثقافية”. كما قال وزير الداخلية ديب هالاند، وهو أول أمريكي أصلي يشغل منصب سكرتير مجلس الوزراء، إن الوزارة ستحدّد منشآت الإقامة والمقابر والأطفال المدفونين هناك “لكشف الحقيقة حول الخسائر في الأرواح البشرية، والعواقب الدائمة المترتبة على المدارس”.
من المعروف أنه بعد أن اعترفت بريطانيا العظمى رسمياً باستقلال الولايات المتحدة في عام 1783، بدأ المستوطنون الأمريكيون التوسّع غرباً لمدة قرن من الزمان من خلال إبادة الأمريكيين الأصليين والاستيلاء على أراضيهم، حيث تعرّض السكان الأصليون لأكثر من 1500 حرب وهجوم وغارات مصرّح بها من قبل حكومة الولايات المتحدة، وهي أكبر نسبة من أي دولة في العالم ضد سكانها الأصليين.
هذه الوحشية ضد السكان الأصليين متأصلة في جينات الأنغلو ساكسون، فقد تمّ العثور في وقت ليس ببعيد على 751 قبراً من دون شواهد في موقع مدرسة سكنية سابقة للسكان الأصليين في مقاطعة ساسكاتشوان الكندية، بعد اكتشاف رفات 215 من أطفال السكان الأصليين في مدرسة سكنية مماثلة في كولومبيا البريطانية قبل ذلك، وما كشفته وسائل الإعلام عن معاناة السكان الأصليين في الولايات المتحدة وكندا هو على الأرجح مجرد قمة جبل الجليد. حتى الآن، ما تفتقده الممارسة الأمريكية فيما يتعلق بسكانها الأصليين هو اعترافها الرسمي بجرائمها السابقة ضدهم والأضرار التي لحقت بهم من الأرض والثقافة إلى الكرامة، وفي الوقت نفسه، فهي ترفض الاعتراف بأن تنميتها الاقتصادية والاجتماعية الحالية قد استفادت من هذه الإبادة الثقافية.
ومع وجود أدلة قوية على الإبادة الجماعية المنهجية للأنغلوساكسون ضد السكان الأصليين، تجلس الولايات المتحدة وكندا مكتوفتي الأيدي على الأرض التي استولتا عليها وتبديان اهتماماً منافقاً بحقوق الإنسان في العالم، كما لا يوجد لديهما أي نيّة لمعالجة السجل المخزي من الإبادة الجماعية. بعد العثور على 751 قبراً من دون شواهد، قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إنه “حزين”، لكنه لم يتجاوب مع الحديث عن تعويض السكان الأصليين، حتى أنه حاول إلقاء اللوم على الفاتيكان من خلال دعوة البابا للذهاب إلى كندا للاعتذار عن دور الكنيسة الكاثوليكية في إدارة مدارس داخلية لأطفال السكان الأصليين، كما لو أن الحكومة لا علاقة لها باحترام حقوق وثقافة السكان الأصليين والحفاظ عليها.
وقال دجانغ شنغ، زميل باحث مساعد في معهد الصين للدراسات الدولية، لصحيفة “غلوبال تايمز” إنه مع عدم وجود فريق تحقيق متخصّص وعدم وجود إجراءات ملموسة، فإن كندا لا تنخرط في تفكير عميق ولكنها تحاول تعويض تأثير الفضيحة على حكومتها، أما بالنسبة للولايات المتحدة في حال اعترفت الحكومة التي يقودها الديمقراطيون، والتي تجيد لعب أوراق الديمقراطية وحقوق الإنسان، بماضيها المخزي الآن، فإن ذلك يشبه صفع وجهها، مضيفاً أن هذا أمر لن تفعله الولايات المتحدة.
ما يعني أن الولايات المتحدة تتلاعب بورقة حقوق الإنسان من جهة، وتغضّ الطرف عن وصمة حقوق الإنسان على أرضها من جهة أخرى، وهو مظهر من مظاهر النفاق على النمط الغربي وازدواجية المعايير، فالغرب يمارس قانون الغاب، ودول مثل الولايات المتحدة وكندا ليس لديهما الإرادة والشجاعة لممارسة العدالة. على المستوى الدولي، يجب إنشاء فريق بقيادة الأمم المتحدة، مثل محكمة العدل الدولية، لإجراء تحقيق مستقل في وضع السكان الأصليين والفظائع الماضية ضدهم. وخلال هذه العملية، يجب على الدول صاحبة المصلحة ألا تعرقل فريق التحقيق بل تمنحه التسهيلات الممكنة، لكن كل الدلائل تؤكد -حتى الآن- أن الغرب لا يفكر في مواجهة ماضيه الإجرامي.