لماذا وحدة الشعب أسـاس لوحـدة الأرض؟
د. عبد اللطيف عمران
في هذه الأيام نسمع كثيراً في قرارات مجلس الأمن واجتماعات جنيف وفيينا وأستانا… وغيرها وقبلها أيضاً، كثيراً عن قناعة المجتمع الدولي، وعن عمله على وحدة أرضنا، على نحو ما قرأنا في البيان الختامي لاجتماع أستانا 16 في 8 تموز 2021: (تؤكد الدول الضامنة في مفاوضات أستانا 16 التزامها الثابت بسيادة سورية واستقلالها ووحدة أراضيها)، ولا شك في أن هذا التأكيد مفيد ومهم وضروري أيضاً، لكن إذا لم يكن مبنياً أساساً وأولاً على وحدة شعبنا، فهو قلق، لأن هناك عملاً سابقاً وواقعاً، وقد يستمر لاحقاً على عدم اقتران وحدة الأرض بوحدة الشعب، إذ إن العمل المضاد لوحدة الشعب العربي على المستويين القطري والقومي مستمر، فهناك أقطار عربية اليوم يقال معها: (العالم العربي)، وتكاد تغيب مقولة (الوطن العربي)، ويقال: (الشعوب العربية)، وتكاد تغيب مقولة (الشعب العربي)… وغير قليل من هذا القبيل الطالع المؤلم.
فلابد من التفريق بين مصطلحي الجغرافية الطبيعية والجغرافية البشرية، وكذلك بين مفهوميهما القابلين للتوظيف السياسي على نحو ما نجد في التاريخ العربي الحديث الناجم عن الجغرافية العربية الحديثة بعد اتفاقية سايكس بيكو 1916.
وهناك فرق واضح بين التاريخ العربي والجغرافية العربية في التاريخ الحديث، وفي التاريخ المعاصر حيث أسهمت طروحات المحافظين الجدد والمشروع الصهيوني ونزوات التطبيع في توضيح ملامح هذا الفرق، وها هي مفرزات (الربيع العربي) المزعوم ماضية في رسم ملامح بائسة للتاريخ وللجغرافية العربية، وبالأحرى العروبية.
ولعل أنواع الجغرافية السورية الطبيعية والبشرية مثال صالح وساطع للبحث العلمي والسياسي في هذا المجال الواسع والإشكالي أيضاً، أسهم في ذلك الموقع الجغرافي، والوعي التاريخي، وهذان غالباً ما كانا عاملي جذب لأطماع القوى الإقليمية والدولية، ويبدو أنهما كانا وسيبقيان، فعلى الأجيال القادمة أن تبقى على يقين، وعلى حذر، وعلى حرص أيضاً في هذا السياق.
في الجغرافية الطبيعية لسورية اليوم أربع جغرافيات بشرية: الجمهورية العربية السورية- لبنان- فلسطين- الأردن، وفي لبنان- أنموذجاً- وحدة أرض ليست ضامنة لوحدة الشعب بمكوناته المضطربة، وحكومة (وحدة وطنية) قائمة على المحاصصة السياسية، والفرق واضح وكبير بين (الوحدة الوطنية) في المجتمع والدولة، وبين (حكومة الوحدة الوطنية) في السياسة… وكذلك الأمر في فلسطين بين الضفة والقطاع… والعمل جارٍ ليكون الحبل على الجرار، حكومات لشعب، وشعوب لحكومة؟!.. ليبقى التعارض قائماً بين وحدتي الشعب والأرض.
وفي سورية التي طالما نعمت بـ (الوحدة الوطنية)- يكاد للأسف يتلاشى اليوم هذا المفهوم والمصطلح الرائع في أدبيات الخطاب- تدّعي اليوم عدد من القوى المضادة حرصها على وحدة أرض سورية في وقت تسعى بكل ما لديها من ارتزاق وخيانة ومأجورية للعمل ضد وحدة شعب سورية، ضد وحدتها الوطنية من خلال رهانها على مختلف الهويات والانتماءات المريضة وغير الوطنية التي يعززها التحالف الصهيوأطلسي- الرجعي العربي لتظهير هذه الهويات بخصوصيات وفوارق واضحة في الجغرافية الطبيعية والبشرية، ففي الوقت الذي أكد فيه قرار مجلس الأمن 2254 على التزامه القوي بـ: (سيادة الجمهورية العربية السورية ووحدتها وسلامتها الإقليمية) فإنه اعترف بحضور فاعل؟! لجميع الأطراف: (بما فيها الجماعات العرقية، والدينية، والمذهبية…).
لذلك لم يكن من فراغ إصرار الغرب على تسييس قضية مساعدات السوريين عبر المعابر، وجعل هذه المساعدات عاملاً داعماً لضرب وحدة الشعب السوري، ومن هذا القبيل يكون دعم الشعب اللبناني مرتبطاً بشكل حكومته، ورفع العقوبات عن شعب السودان مرتبطاً بالتطبيع، وإدماج سورية في الجامعة العربية وفي المجتمع الدولي مرتبطاً بالمقاومة ثقافة ونهجاً… و.و.
إن وحدة الأرض لا تتم قبل وحدة الشعب ولهذا كان أعداؤنا يعملون، وسيبقون، لتقويض وحدتنا الوطنية، وحدة شعبنا في وقت يصرحون فيه أمام المجتمع والقانوني الدولي بحرصهم على وحدة الأرض، ولهذا راهنوا على طرحهم السابق لقضية المعابر الثلاثة، ويستمرون في الرهان على العقوبات والحصار إدراكاً استراتيجياً خبيثاً منهم أن ظاهر العقوبات مادي (البنى التحتية)، بينما منعكساتها ونتائجها السلبية معنوية (البنى الفوقية) الوعي والهوية والانتماء، حيث تتراخى الروح المؤسساتية الوطنية وينمو الخلل الإداري والفساد والشللية.
فليبقَ خيارنا هو وحدة الشعب الوطنية لأنها الضمان المستقر للحياة السياسية والاجتماعية في الدولة وفي المجتمع، هذه الوحدة يعززها تلاحم الشعب مع قيادته، فالوطن ليس مجرد وحدة جغرافية طبيعية، بل بشرية (إنسانية) أيضاً.