ماذا عن القادم نهضويّاً
عبد الكريم النّاعم
سؤال مركزيّ مهمّ عن مسألة القادم من أيّام العرب نهضويّاً، وهذا يستدعي سؤالاً آخر، لا يقلّ أهميّة وهو: هل حقّق العرب نهضتهم التي تشمل تحديد زمن النّهضة بما قاموا به من مقاومة باسلة للتحرّر من الاستعمار التركي، وتوقّف الأمر بعد ذلك، أو بدا أنّه شبه متوقّف؟!!
السؤال كبير جدّاً، ويحتاج إلى كتاب، ولذا سأكثّف بقدر اتّساع مساحة زاوية في صحيفة.
مهما اختلفنا في تفريعات هذه المسألة، فالذي لاشكّ فيه أنّ ثمّة محاولات أصيلة قدّمت بعض الإنجازات في هذا السياق، في فترة نهاية خمسينات القرن الماضي، وحتى منتصف ستّيناته، وكانت مُبشِّرة، وواعدة، من رفع شعارات التقدّم والعدالة الاجتماعيّة، والديموقراطيّة، حتى تحقيق الوحدة بين دمشق والقاهرة عام 1958، ومن ثمّ كان ثمّة بشارة في المشروع الوحدويّ بين دمشق وبغداد عام 1979، ولكنّ هذا كلّه اغتيل بطريقة فجائعيّة، بقصد، أو بدوافع ذاتيّة فرديّة، ليس هذا مجال بحثها.
ثمّة سؤال: إذا كان العرب قد نجحوا بعض النجاح، في أكثر من موقع، في مشروعهم النّهضوي، فأين آثاره؟!!.
لا شكّ أنّ مجانيّة التعليم، والعلاج الصحي المجاني، وتوزيع الأرض، وانتشار الكهرباء، وتحقيق بعض الاكتفاء الذاتي قد كان في صميم ما نسمّيه نهضة، ولعلّ هذا ما أثار مخاوف دوائر الاستخبارات الغربيّة، فكان ذلك الهجوم لكسر المشروع القومي، والتركيز على المسألة القطرية، وكانت البداية مع كامب ديفيد، وتلتْها مجريات دهاليز أوسلو.
لنتأمّل المشهد في مركز الفعل القومي الحقيقيّ، لعلّه يساعدنا في الاكتشاف: هل يبدو المغرب العربي، بدوله، ولاسيّما الجزائر، أنّه قد تجاوز المخاطر التي تؤهّله للنهوض؟!.
الواقع يقول إنّنا أمام مأساة، وليس ما آلتْ إليه ليبيا الشاهد الوحيد، الجزائر تشكّل قاعدة، وخميرة صالحة، وكذلك تونس، مصر التي كانت قاعدة الثقل في المسار النّهضويّ التقدّمي الوحدوي التحرّري كان فيها السادات هو الوريث لمرحلة عبد الناصر ومبادئه، وأعقبه مبارك، وتلاه جماعة الإخوان المُغرقة في رجعيّتها، ودمويّتها، وفي جنوحها لما يُرضي إسرائيل، فيما نسمّيه بلاد الشام ظلّت سوريّة، وحلف المقاومة العلامةَ التي تحمل بعض الضوء، ولا شكّ أنّها دفعت أثماناً باهظة من التّدمير المادي والمعنوي، وفشا فيها الفساد والإفساد لدرجة تكاد تُدخل المتفائل إلى مواقع اليأس، العراق ما يزال منذ زلزال الاحتلال الأمريكي يُحاول استعادة توازنه، وعلى ما يختزنه من قدرات ماديّة ومعنويّة يراهن الذين لا يرغبون أن يغلّبوا اليأس، لاشكّ أنّ ذلك كلّه، بنواتجه، كان له أسباب داخليّة، نقول داخليّة، لأنّ مَن يحصّن ذاته داخليّاً لا يسمح للمتسلّلين بالتسلّل، ولو عبر مسارب الماء والهواء.
رغم هذا العرض المأساويّ فإنّ المطلوب ألاّ نيأس حتى في حلكة الظلام المتراكم، وذلك لأنّ اليأس هو الهزيمة الأكبر، ومَن يذهب إلى المعركة يائساً لن يعرف معنى النّصر، بل سيخسر معنى أن يصمد.
لعلّ مَن يتساءل: لماذا أهملت بلدان شبه الجزيرة العربيّة؟ ولم يكن ذلك سهواً، بل عن عمد، لأنّ هذه الممالك، والمشْيَخات منذ أُنشئت تحرّكها أوامر أيّ موظف في السفارة الأمريكيّة، اليمن يختزن طاقات مهدّدِة ولذا أشعلوا النيران فيها، ظلام.. ظلام.. ظلام، على جميع المستويات لولا ذلك الضوء الذي يجعل إسرائيل وهي في ذروة قوّتها، في زمن الإضعاف العربيّ وهي تتلمّس مواقع الخوف، بعد أنْ أوقفها حلف المقاومة على رجْل ونصف.
في العودة إلى المشروع النهضويّ يمكن القول إنّ نهضة العرب لن تتحقّق، ربّما، قبل أن يحدث شيء كبير يكسر غطرسة الاحتلال الإسرائيلي، وبكسْره سوف تنكسر جميع الحلقات التي تبدو أنّها عصيّة على الكسر الآن.
aaalnaem@gmail.com