مجلة البعث الأسبوعية

ناديا خوست.. سيدة من بهاء

“البعث الأسبوعية” ــ سلوى عباس

أهدت إذاعة “شام أف أم” قمرها الـ 14 للمرأة السورية عبر تكريمها لـ 14 امرأة سورية من رائدات المجتمع، وبكل المجالات؛ ومن السيدات المكرمات الأديبة د. ناديا خوست التي حاورتها ياسمينة دمشق الإعلامية المتجددة بالعطاء والإبداع، هيام حموي، فكان للحديث نكهة تحمل عبق التاريخ، ومنه أستوحي هذه المقالة، إضافة للمعلومات المتوفرة لدي، والتي تتقاطع كثيراً مع هذا الحوار، حيث أخذتنا الأديبة خوست إلى دمشق القديمة، وتجولت معنا في أحيائها وأزقتها، حيث يفوح عبير الياسمين الدمشقي، ورائحة النارنج، فهي تنتمي لجيل الستينيات في الأدب، هذا الجيل الذي اهتم ببناء شخصيته الذاتية والموضوعية، وأدرك أهمية دوره في العمل على تغيير الواقع وإعادة بنائه بصورة جديدة. وقد مثلت الأديبة خوست – وما زالت – إحدى الدعائم الأدبية والفكرية في سورية، فهي ترى نفسها محظوظة لأنها ولدت في حي عريق ومتنور، هو حي ساروجة الذي عاشت فيه مجموعة من الشخصيات المتنورة والمثقفة التي تركت في ذاكرتها الطفلية الانطباع الأول عن دمشق دون أن تستطيع إدراك أهميتها ودورها حينها، ما كان له الأثر الكبير في توجهها للأدب.

وعن ناديا الإنسانة وكيف تهيأت الظروف لمشروعها الأدبي والينابيع التي نهلت منها، قالت:

منذ طفولتي كنت أسمع عن الشخصيات المثقفة والمتنورة التي عاشت في حينا، مما شكل ذاكرتي الأولى، فمن البيئة الدمشقية والعلاقات الإنسانية والعمارة وهذه الشخصيات وشعور النساء بحي ساروجة، اللواتي لم يكن مكافئات للرجل فقط وإنما سيدات حياتهن، إلى جانب قربنا من المدرسة الشامية “ست الشام”.. هذه الظروف كلها أثرت في نفسي وأعطتني الذخيرة للكتابة، لكن مسار الكاتب مسار طويل لا يبدأ فقط من الطفولة، وإنما هناك مرحلة الفتوة والمدرسة وعلاقاتها وبداية تشكل الوعي، ثم مرحلة الجامعة، وهذا كله مهم لأنه إما أن يثبط، وإما أن يدعم.. إما أن يدفع في اتجاهات واختصاصات أخرى، وإما أن يركز التوجه نحو مسار الأدب؛ وأنا كنت في مدرستي محظوظة بمجموعة من الأساتذة الذين كانوا يشجعوننا على قراءة الأدب القديم والمعاصر معاً، فلم نكن في المدرسة مقيدين ببرنامج محدد، وإنما كان الأساتذة يخرجون عن البرنامج ويقدمون لنا مجموعات من مطالعاتهم ومعارفهم وقراءاتهم، فكنا شركاء معهم وهذا سهّل المسار الذي اتجهت فيه، وعندما أصبحت في مرحلة النضج تبين لي أن العمل الكتابي صعب جداً، لأن نضج الكاتب ومشروعه يتكاملان من خلال عمله وحياته. وعندما كتبت أول مجموعة قصصية كنت مسحورة بالحياة من حولي وبالعلاقات الإنسانية وتفاصيل الحياة الناعمة.. طبعاً هذا ترافق مع تدفق الترجمات، ونحن كنا متأثرين بالكثير من الكتّاب العالميين، وكان الأدب الروسي الذي كنت أعتبره وما زلت من الكلاسيكيات الكبرى التي لا يستطيع أي كاتب أن يكتب بمعزل عنها، وعن دراستها وفهمها والتعلم منها.

وعن ناديا الأنثى وهل ما زالت محتفظة بعفويتها وتلقائيتها حتى الآن؟ أم إن الحياة صنعت منها أنثى أخرى؟ أجابت: من حيث العفوية، أنا لا أتصنع أبداً، ولا أقول إلا ما أؤمن به، لكن بالمقابل الحياة حملّتني كل الأعباء التي تحملها أي امرأة عادية غير مشغولة بالقضية العامة والدفاع عن المدينة والكتابة ولا بأي شيء غير منزلها وأسرتها. لكنني كنت دائماً أؤمن أن المرأة التي لا تجعل بيتها مثل جنة محورها هي، لا يمكنها أن تثبت وجودها في أي مجال سواء السياسة أو الكتابة أو العلاقات الاجتماعية، صحيح أن هذا يزيد أعباءها، لكنه أيضاً يزيد فضائلها وراحة ضميرها.

كذلك كانت دمشق محوراً لمشروع الأديبة خوست الروائي بشكل عام، فعلاقتها بالمكان كذاكرة وكجغرافيا قوية جداً، وعنها تحدثت: الكاتب من دون مكان لا وجود له لأنه دائماً يـأخذ من المكان نكهته، تاريخه، عراقته.. إلخ، وأنا أرى دمشق جميلة كمدينة وليس لأنني من دمشق، ولأنها كنز إنساني، ولذلك سجلت في سجل التراث الإنساني، وللأسف دمشق ليست داخل السور فقط، وإنما أيضاً الأحياء العربية خارج السور وفيها أيضاً جماليات خاصة رغم كل ما دُمر منها، لذلك يجب أن نحافظ على هذا التراث ونحترمه كثروة معاصرة يجب أن تصان، خاصة في زمن صراع الهويات لأن الهوية هي شهادة تاريخية لنا أمام الصهيونية وأمام العولمة التي لا هوية لها.