مجلة البعث الأسبوعية

اغتيال مويس.. واشنطن تضع الأساس لنشر قواتها في هايتي للمرة الرابعة خلال 106 سنوات وبطلب من شخص أمضت عقوداً في رعايته

“البعث الأسبوعية” ــ تقارير

في وقت هبطت الصدمة والذهول على الدولة الواقعة في جزر الكاريبي بعد اغتيال الرئيس جوفينيل مويس، شنت حكومة هايتي حملة لاعتقال المشتبه بهم في الجريمة. وأعلن مدير الشرطة الوطنية الهايتية ليون تشارلز في مؤتمر صحفي أن فرقة الاغتيال التي قتلت مويس تتألف من 28 أجنبياً، بينهم اثنان من الأمريكيين الهايتيين و26 مواطناً كولومبياً. وقد اعتقل خمسة عشر من هؤلاء الكولومبيين بينما قتل ثلاثة في معركة بالأسلحة النارية، وفر ثمانية آخرون. كما اعترف وزير الدفاع الكولومبي دييغو مولانو بأن بعض الكولومبيين هم من العسكريين المتقاعدين، ومن بينهم جندي واحد على الأقل من رتبة عليا، وتلقى تدريبات من الولايات المتحدة، وآخر متورط في قتل مدنيين كولومبيين.

 

صلات بحكم القلة

تم التعرف على الأمريكيين الهايتيين على أنهما جيمس سولاج، 35 عاماً، وجوزيف فينسنت، 55 عاماً. ويعيش سولاج في فورت لودرديل حيث يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة للصيانة والإصلاح، ويدير مجموعة “غير ربحية” تم حذف معلومات موقع الويب الخاص بها منذ ذلك الحين. وقد عاش في مدينة جاكميل الساحلية جنوب هايتي، قبل انتقاله إلى فلوريدا.

ووفقاً لصحيفة واشنطن بوست، فإن ملف سولاج على فيسبوك، والذي تمت إزالته منذ ذلك الحين، عرّف عنه كقائد رئيسي للحراس الشخصيين للسفارة الكندية في هايتي. وأكدت السفارة الكندية من جانبها أن سولاج عمل في السابق كحارس أمني لديها.

وأثناء وجوده في فلوريدا، كان سولاج “مؤيداً قوياً وصريحاً للرئيس السابق ميشيل مارتيلي (مؤسس حزب تيت كالي الهايتي، حزب مويس) وفقاً لتوني جان ثينور، زعيم منظمة “في يي يو” الشعبية في ميامي، التي أسسها الأب الراحل جيرار جان جوست.

كما أوردت صحيفة “هايتي تايمز” أن سولاج كان يعمل أيضاً كحارس أمني لكل من رينالد بولس وديمتري فوربي، وهما عضوان بارزان في شريحة البرجوازية الصغيرة في هايتي. وعلى الرغم من صداقتهما بمويس في البداية، إلا أنهما أصبحا معارضين لدودين له. وكان بولس أيضاً مؤيداً بارزاً للانقلابات السابقة في عامي 1991 و2004 ضد الرئيس جان برتران أريستيد.

وعائلة بولس هي واحدة من أغنى العائلات في هايتي، وتمتلك شركة أدوية كانت مسؤولة، في العام 1996، عن تسمم عشرات الأطفال بمضادات الحمى الملوثة، وكان بعضها قاتلاً. ومنذ الانتفاضة الوطنية في 6 – 8 تموز 2018، ضد ارتفاع أسعار الوقود الذي فرضه صندوق النقد الدولي، حاول بولس إعادة صياغة نفسه كشخصية شعبية وتقدمية (بعد أن تم حرق ونهب أحد متاجره) على رأس حزب سياسي يسمى “حركة الطريق الثالث”.

أما فوربي فهو المدير التنفيذي ونائب رئيس الشركة العامة للطاقة “سا”، إحدى أكبر شركات الطاقة الخاصة في هايتي، والتي أبرمت صفقة لتوفير الطاقة، والتي سعى الرئيس المقتول إلى إعادة التفاوض بشأنها، بعد انهيار برنامج “بيترو كاريبي”، الذي زودت فنزويلا بموجبه هايتي بالنفط الرخيص والقروض من العام 2008 إلى العام 2018.

ويعتقد الكثيرون أن بولس هو العقل المدبر والداعم المالي لقتل مويس.

وأوضح الصحفي كيم إيفز: “يبدو أن توظيف سولاج من قبل بولس ومركزية العملية يؤكدان الإجماع الشعبي المتنامي في هايتي على أن هذا التاجر المثير للجدل الذي تحول إلى سياسي كان الداعم الرئيسي لاغتيال مويس”، ويتابع: هناك العديد من العوامل التي تشير إلى تورطه حيث “يشير وصول المرتزقة على متن تسع سيارات طراز نيسان باترول جديدة بدون لوحات ترخيص إلى أنها سيارات قادمة من وكالة نيسان التي يملكها رينالد بولس. لقد استنتج الشعب الهايتي بالفعل أن بولس كان وراء عملية الاغتيال، وقام  بإضرام النار وكالة اوتوميكا التي كان يملكها”.

 

قاتل كولومبي دربته الولايات المتحدة

وبينما ورد أن الهايتيين الأمريكيين عملا كمترجمين، جاءت قوة فرقة الاغتيال من كولومبيا، الحليف الإقليمي الأكبر للولايات المتحدة، والتي تعمل كمنصة لزعزعة الاستقرار وتغيير الأنظمة في المنطقة، من فنزويلا إلى الإكوادور – والآن على ما يبدو إلى هايتي.

وأبرز أعضاء فرقة الاغتيال هو مانويل أنطونيو غروسو غوارين، وهو كوماندوز العمليات الخاصة السابق، البالغ من العمر 41 عاماً، والذي تقاعد من الجيش كعضو في كتيبة المشاة رقم 1 سيمون بوليفار، في 31 كانون الأول 2019. ووفقاً لـ صحيفة لا سيمانا الكولومبية، فقد تابع غروسو “عدة دورات قتالية خاصة، وكان عضواً في القوات الخاصة وفرق مكافحة حرب العصابات، وكان معروفاً بكونه مظلياً ماهراً طار في الجو دون خوف”.

في عام 2013، تم تعيين غروسو في مجموعة القوات الخاصة بالمدن لمكافحة الإرهاب، وهي كتيبة عسكرية سرية من النخبة مكرسة لعمليات مكافحة الإرهاب وتنفيذ عمليات الخطف والاغتيالات (المعروفة اختصاراً باسم “الاستحواذ على الهدف ذي القيمة العالية والقضاء عليه”). وهذه الكتيبة مكلفة أيضاً بتوفير الأمن لكبار الشخصيات من الرئيس الكولومبي إلى رئيسي الولايات المتحدة بيل كلينتون وجورج بوش.

وقال مصدر لـ صحيفة لا سيمانا: “لقد كان واحداً من أكثر الأشخاص تدريباً وتأهيلاً”.

ومن بين مؤهلات غروسو أيضاً دورة قيادات خاصة أجراها له جيش الولايات المتحدة الذي يزود الجيش الكولومبي بالتدريبات والأسلحة. والجيش الكولومبي هو أحد أكثر وحدات القوات المسلحة قمعية في المنطقة، ويعمل على تأمين مصالح الشركات الدولية وطرق تهريب المخدرات.

ووفقاً لصحيفة إل تامبو الكولومبية، فقد انضم إلى غروسو فرانسيسكو إيلاديو أوريبي أوتشوا، الذي تقاعد من الجيش الكولومبي في عام 2019،. وقالت زوجة إلاديو أوريبي للصحيفة إنه تم التحقيق معه لمشاركته في إعدام مدنيين – وهي ممارسة تُعرف باسم “الإيجابيات الكاذبة”، حيث استدرج الجيش الكولومبي ما لا يقل عن 6402 مدنياً وقتلهم وألبسهم زي حرب العصابات من أجل تضخيم أعداد القتلى. وقد ساعدت هذه الممارسة المروعة القادة العسكريين على الوصول إلى حصص القتل العالية التي حددتها الولايات المتحدة، وتم تحفيزهم بمكافأة وأوقات إجازات للجنود الذين نفذوا عمليات القتل.

وعلى الرغم من أن زوجة إلاديو أوريبي قالت إنه تمت تبرئته، إلا أن اسمه ظهر في ملف “السلطة القضائية الخاصة من أجل السلام”، وهي محكمة تشكلت بموجب اتفاق السلام لعام 2016، وحققت في عدة آلاف من حالات “الإيجابيات الكاذبة” التي لم تكن الحكومة الكولومبية قد حصلت عليها. واعترف إلاديو أوريبي أنه كان أحد جنديين اتهما بجريمة قتل لويس كارلوس كارديناس، عام 2008، في قرية خوروس بلانكوس في منطقة أنتيوكيا.

ومن بين الأعضاء الآخرين في فرقة الاغتيال المشتبهين باغتيال مويس:

  • دوبرني كابادور جيرالدو، رقيب أول متقاعد (قُتل في معركة بالأسلحة النارية في هايتي)
  • أليخاندرو جيرالدو زاباتا
  • جون جايرو راميريز غوميز
  • فيكتور ألبيرو بينيرا

ومن بين 28 شخصاً شاركوا في الاغتيال، وصل أربعة من الكولومبيين إلى هايتي في 6 حزيران 2021. ووصل غروسو إلى مدينة بونتا كانا الدومينيكية وعبر الحدود البرية إلى هايتي بعد يومين، وتظهره الصور مع مشتبه بهم آخرين في مواقع سياحية شهيرة في جمهورية الدومينيكان.

 

أسئلة بلا إجابة وتوافق متزايد

تبقى هناك أسئلة وعلامات استفهام حول سبب فشل فريق الأمن التابع لمويس في حمايته، وما إذا كان أي من فريق حراسته متواطئاً في جريمة الاغتيال.

والمعروف أن ديميتري هيرارد، رئيس وحدة الأمن العام في القصر الوطني، يخضع لتحقيق من قبل حكومة الولايات المتحدة بتهمة تهريب الأسلحة. لكن، وعلى الرغم من عدم وجود دليل (لكن هناك شائعات كثيرة) تربطه بجريمة القتل، فإن “هيرارد هو أحد الأفراد المسؤولين عن سلامة الرئيس”.

وبينما تعرفت الحكومة الهايتية إلى من يبدو أنهم قتلة مويس، إلا أنه ليس هناك حتى الآن دليل قاطع – مجرد أدلة ظرفية – يربط هؤلاء القتلة برينالد بولس، وربما حتى فوربي. ومع ذلك، “هناك إجماع متزايد على أن بولس، الذي صدر بحقه أمر اعتقال الأسبوع الماضي، دفع أجرة المرتزقة”، و”يبدو أنه أصبح من الواضح أكثر فأكثر أن شريحة البرجوازية الهايتية، التي كان جوفينيل مويس في حالة حرب معها، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً باغتياله”.

وبينما تتكشف تفاصيل التحقيق في عملية الاغتيال، يبدو أن الولايات المتحدة تستعد لنشر قواتها في هايتي بناءً على طلب شخصية أمضت عقوداً في العناية بها. ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، طلب كلود جوزيف، الذي يخوض صراعاً ضد الدكتور آرييل هنري لرئاسة الدولة الهايتية في أعقاب اغتيال موس، من الولايات المتحدة إرسال قوات عسكرية لحراسة البنية التحتية الرئيسية، بما في ذلك الميناء والمطار واحتياطيات الوقود. وأعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، أن الولايات المتحدة ستعزز أمن وسلامة الأمريكيين في هاييتي بنشر المزيد من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الداخلي.

وجوزيف هو أحد أصول الولايات المتحدة وذراعها لتغيير النظام. وقد كشفت برقيات ويكيليكس أنه برز لأول مرة، في العام 2003، كزعيم لجبهة طلابية ناشئة عن مؤسسة “الصندوق الوطني للديمقراطية” الأمريكية، وتسمى جبهة “غرافنيه” في الفترة التي سبقت الانقلاب على الرئيس جان برتران أريستيد. كما أسس أيضاً مبادرة أخرى مناهضة لأريستيد (مبادرة المواطنين)، وتمولها مؤسسة “الصندوق الوطني للديمقراطية”.

وأفادت محطات الإذاعة الهايتية أن غاري بودو، أحد المهاجمين الرئيسيين الذين ضربوا الأب الراحل جيرار جان جوست في كنيسة بيتيونفيل، في العام 2005، كان برفقة غاري بودو، النائب السابق البارز في هايتي. وكان جان جوست، الذي ربما يكون أبرز مؤيدي الرئيس المنفي في جنوب أفريقيا – آنذاك – أريستيد، قد اتُهم زوراً بالتورط في قتل ابن عمه، جاك روش، وهو كاتب.

ويختتم الصحفي إيفز قائلاً: “أساساً، لدينا دمية أمريكية تطلب من محرك الدمى غزو هايتي للمرة الرابعة خلال ما يزيد قليلاً عن قرن (..) لكن المنطقة، وقبل كل شيء شعب هايتي سئما وتعبا من التدخلات العسكرية الأمريكية المسؤولة، إلى حد كبير، عن الحالة الخطيرة الحالية للبلاد اقتصادياً وسياسياً. أصبحت معظم الأحياء الأكثر فقراً واضطهاداً الآن مدججة بالسلاح، وأعلنت بالفعل ثورة ضد أمثال بولس، لذلك من المرجح أن تواجه الغزاة بقيادة الولايات المتحدة، في عام 2021، مقاومة مماثلة لتلك التي ظهرت ضد مشاة البحرية الأمريكية في العام 1915، وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في عام 2004.. فقط ستكون أكثر شراسة”.