ضرب النقود العربية – الإسلامية في أرمينيا التاريخية
“البعث الأسبوعية” ــ فيصل خرتش
جرى التداول بالنقود العربية أيام الأمويين، كما يقول الدكتور خجادور موشيغيان في كتابه (ضرب النقود العربية – الإسلامية في أرمينيا)؛ فقد بدأ تعريب النقود منذ النصف الثاني من القرن السابع، وأبقى الخلفاء الأمويون على صورة الملوك الفرس على الدراهم الفضية، وأضافوا إليها كتابات عربية، مثل “بسم الله”، أو “الحمد لله”، وكانوا يذكرون تاريخ مكان الضرب؛ وهناك نقود أخرى عليها عبارة التوحيد “لا إله إلاّ الله محمد رسول الله”، وأخرى ضربت عليها صورة الخليفة بكامل قامته، وبجانبه كتابة عربية “أمير المؤمنين”.
أمّا النقود العربية – البيزنطية، فقد ضربت وهي تحوي صورة الإمبراطور “هرقل” مع كتابات لاتينية، وزادوا عليها مكان ضربها وعبارة “باسم الله”. وبعد فترة قصيرة، دخلت في التداول نقود عليها صورة الخليفة وبيده سيف، وتعبير “محمد رسول الله”، وهناك نقود نحاسية مشابهة مع إضافة تعبير “خليفة الله أمير المؤمنين”، وإلى جانب هذه النقود كان العرب يضربون النقود الذهبية باستبدال رسم الصليب بخط عامودي.
جرى تعريب الإدارة العربية والنقود بأمر الخليفة عبد الملك بن مروان في عام 77 هـ (691 مـ)، وقد كانت النقود الذهبية تضرب في دمشق، وعليها عبارة “لا إله إلاّ الله محمد رسول الله” على الوجه الأوّل، وعبارة “بسم الله الرحمن الرحيم” على الوجه الثاني؛ أمّا الدراهم الفضية فقد بُدئ بضربها بعد حركة الخليفة عبد الملك بن مروان التصحيحية في المجال الإداري والنقدي في كلّ المناطق التابعة للحكم الأموي. وتؤكد الدراسات أنّ نقود الخلافة الأموية ظهرت في أرمينيا منذ السنوات الأولى لإصدار النقود العربية الخالصة، وأقدم وصف درهم فضي أموي ضرب في أرمينيا يعود إلى عام 81 هـ (700 مـ). ومن الآيات القرآنية التي جاءت على النقود الأموية “الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد”، وتشهد هذه المعطيات أنّ نقود أموية مختلفة ضربت خلال 50 سنة بشكل متقطع في ولاية أرمينيا والمناطق القفقاسية المتاخمة لها بين 81 – 131 هـ (701 – 760 مـ).
اكتشفت مجموعة كبيرة من النقود العباسية التي ضربت في أرمينيا تعود إلى القرنين الثامن والعاشر للميلاد، وتؤكد الدراسات أنّ مدينة بردعة كانت المركز الرئيسي لضرب النقود العباسية في ولاية أرمينيا، وكذلك كانت دبيل التي كانت تضرب نقوداً عباسية باسم ولاية أرمينيا.
لم تضرب نقود في عهد الخليفة العباسي الأوّل، بل ضربت نقود في أرمينيا وبكميات كبيرة في عهد الخليفة جعفر عبد الله المنصور 136 – 158 هـ (754 – 775 مـ)، ولم يضع العباسيون على نقودهم الصور الحيوانية والنباتية، بل قاموا بزخرفتها بالكتابات الكوفية، وكانت النقود الذهبية والفضية تضرب بأمر الخليفة فقط، بينما يحق لحكام المقاطعات ضرب الفلوس النحاسية، وضرب أوّل درهم فضي عباسي في أرمينيا في عام 243هـ (760 مـ)، وجاءت عليه الكتابات الكوفية التالية: الوجّه الأوّل في الوسط: “لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له”، الوجه الثاني في الوسط: “محمد رسول الله”، وحول هذه الكتابة: “بسم الله”، وقد ضرب هذا الدرهم بأرمينيا سنة ثلاث وأربعين ومئة، وعلى الوجه الآخر “أرسله بالهدى ودين الحق يظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون”.
يزن هذا الدرهم 2.91 غ وقطره 27 مم، ومحفوظ في متحف الأرميتاج، وهناك قطع مماثلة أخرى في متاحف عالمية أخرى.
تعدّدت الكتابات أكثر في عهد الخليفة هارون الرشيد، ونجد عليها اسم ابنه البكر محمد الأمين، وجاء اسم الخليفة شكل بسيط جداً “الخليفة هارون”. وبعد صعود المأمون على عرش الخلافة، ضربت نقود في أرمينيا، جاء عليها التعبير “الإمام أمير المؤمنين”، ونراها على معظم النقود التي ضربها المأمون، ومشى الخلفاء العباسيون على هذه القاعدة حتى أفول الخلافة العباسية.
تلاحظ أن النقود التي ضربت في مدينة آران، وكانت دراهم فضية حصراً، ضربت على امتداد 20 سنة في فترة خلافة المأمون؛ وبعد هذه الفترة لم يعثر على نقود مماثلة. كما نجد نقوداً نحاسية ضربت في بردعة إلى منتصف القرن التاسع الميلادي، ودراهم فضية باسم بردعة بدءاً من النصف الثاني للقرن التاسع للميلاد. وتقدّم لنا النقود المضروبة في بردعة معلومات عن بعض التقسيمات الإدارية والمسائل الأرمنية مع مدينة آران، فلدينا نقود فضية ضربت في عام 267 هـ (881 مـ)، في فترة الخليفة المعتمد وشقيقه وولي عهده الموفق بالله، كتب عليها: “ضرب هذا الدرهم في أرمينيا”، وفي وسطها ذكرت مدينة بردعة، وهذا دليل واضح على أنّ ضرب النقود كان يتم في بردعة الكائنة داخل أرمينيا إلى جانب العاصمة دبيل.
كانت لأرمينيا علاقات تجارية واسعة مع مدينة بردعة عبر عاصمتها دبيل، ونرى ذلك واضحاً على النقود التي ضربت في نهاية القرن الثامن وبدايات القرن التاسع الميلاديين. وقد أدى ظهور عائلات ملكية جديدة في مقاطعات الخلافة العباسية العديدة في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي، إلى توسّع تداول الدراهم الفضية، ونرى ذلك بصورة واضحة في كنز نقدي وجد صدفة أثناء فلاحة أرض في قرية بانباشي في جمهورية آذربيجان في العام 1984، حيث ضرب أحدث درهم فيه عام 953 للميلاد، واكتشف كنز نقدي في قرية يازكيراكي في منطقة آران يقدّم حقائق جديدة حول تاريخ أرمينيا والدول المجاورة لها، ويتألف من 300 درهم فضي، وأحدث قطعة فيه تعود إلى عام 954 ميلادية.
ولجت الدراهم الفضية المضروبة في مدينتي دبيل، وآران في أرمينيا، في التداول بين عامي 800 و1050 للميلاد، إلى أوروبا الشرقية؛ فقد وجدت دراهم فضية ضربة في أرمينيا بكتابات عربية صرفة وآيات قرآنية في الكنوز النقدية المكتشفة على مساحة أوروبا ومناطق روسيا الوسطى ودول البلطيق، وتشير الدراسات إلى أنّ النقود المكتشفة في هذه المناطق تعود إلى قبة القرنين التاسع والعاشر للميلاد؛ وتحوي دراهم فضية ذكرت فيها مناطق ضربها بأحرف عربية، وضربت في أرمينيا وبردعة ومعدن باجنيس والهورنية وهرونابات والباب ودبيل وتفليس وجنزة وبدليس ونصيبين.
تغيرت النقود المتداولة في أرمينيا بدءاً من نهاية القرن العاشر للميلاد، قد تقلصت كثيراً، ولم تكن لها ذات الجودة، بل كانت خليطاً ومغطاة بغشاء رقيق من الفضة، وكانت النقود البيزنطية هي المسيطرة في التجارة الدولية منذ بداية القرن الحادي عشر للميلاد، وقد تمّ العثور على نقود ذهبية ونحاسية بيزنطية على شكل كنوز كاملة، وكانت هذه القطع المذهبة معروفة في أرمينيا ويسمونها “بيزانط” أو درهم ذهبي، ومن المحتمل أنها ضربت في العاصمة آني، وخاصة أنّ البيزنطيين قاموا باحتلال المدينة في العام 1045 للميلاد.
الكتاب (ضرب النقود العربية – الإسلامية في أرمينيا التاريخية)، تأليف البروفسور خجادور موشيغيان، ترجمة: الكسندر كشيشيان، عدد الصفحات: 376 صفحة من القطع المتوسط.