إيران والسعودية في عهد إبراهيم رئيسي
محمد نادر العمري
شهدت العلاقات السعودية الإيرانية على مدى ثلاثة عقود ونصف تقريباً، وبصورة خاصة منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران شباط 1979، الكثير من التفاوت والمدّ والجزر، حيث لم تعرف هذه العلاقات نتيجة أسباب عديدة شكلاً هادئاً ومستقراً؛ ولعلّ السبب الأبرز في ذلك هو التحريض الأمريكي للسعودية على هذا العداء والخصومة، كدافع أميركي لإسقاط نظام ما بعد الثورة وإعادة نظام الشاه الحليف لواشنطن والصديق للكيان الصهيوني والمنفّذ للسياسات الغربية في المنطقة.
كانت فترة ما بعد “حرب تموز” أكثر فترات الصراع والخلاف ما بين الجانبين، رغم أن السعودية هي من موّلت وحرّضت النظام العراقي السابق على غزو إيران التي استمرت لمدة 10 أعوام، ولكن درجة الخصومة لم تصل للمستوى الحالي الذي اتخذ شكل تهديد حقيقي عبّر عنه ولي العهد السعودي الحالي محمد بن سلمان بقوله لصحيفة “واشنطن تايمز” في 2018: “إن المعركة ستنتقل للداخل الإيراني”!
مع نهاية 2020 وبداية عام 2021، بدأت نواة الانفراج والحوار بين الطرفين تطفو على وسائل الإعلام، وخاصة بعد مغادرة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب البيت الأبيض، وقدوم بايدن، وخشية السعودية من تنامي “الإخوان المسلمين” المدعوم من النظامين القطري والتركي، وهو ما يهدّد نفوذها في المنطقة، وزيادة غرقها في المستنقع اليمني، وتراجع مقدراتها المالية وتعرّض أمنها للخطر وفشل مشاريعها في العراق وسورية.
لقد كانت الجغرافية العراقية ومساعي ساستها هي إحدى العوامل المسهلة لهذه النواة من الانفراج والتقارب، حتى أن التصريحات السعودية الإيرانية كانت تؤكد على ضرورة الحوار والانفتاح بين الدولتين، وهو ما قرئ على أنه نزول سعودي من أعلى الشجرة والاستسلام للأمر الواقع والتسليم بدور ومكانة إيران في المنطقة.
ولكن بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية والتي أفضت لفوز الرئيس إبراهيم رئيسي بالحكم، غابت المعلومات عن أي حوار سعودي إيراني، ورغم ذلك ردّ الرئيس الإيراني بدبلوماسية علنية في مؤتمره الصحفي الأول بعد إعلان فوزه بالقول: “إن بلاده في ظل حكمه لا تمانع من عودة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية”، مستكملاً تصريحه بدعوتها “لوقف هجماتها التي تستهدف المدنيين والبنى التحتية في اليمن”. فالترحيب الإيراني بأي علاقة موجود وراسخ، ولكن على ألا تكون هذه العلاقة على حساب بلدان المنطقة، وهو ما تقرأه السعودية بشكل واضح، ولاسيما أن طلبها الكامن في دعوة إيران للضغط على أنصار الله للقبول باتفاق الرياض وبشروط المملكة لوقف الحرب قوبل بالرفض من قبل إدارة الإصلاحيين في فترة حسن روحاني، فكيف سيكون الحال في فترة المحافظين الذين ربط رئيسهم الفائز ولو بشكل ضمني إعادة العلاقة بضرورة وقف الحرب على اليمن في أول تصريح له؟
ولكن ذلك لا يعني أن العلاقات ستذهب نحو المزيد من التوتر أو التصعيد أو سيعتريها السوء أكثر في المرحلة المقبلة، بل إن هناك مجموعة من العوامل الموضوعية الإقليمية والدولية التي ستشكّل حاجة لكلا الطرفين، وخاصة السعودية، التي هي بحاجة فعلية لتخفيض مؤشرات الاستفزاز والتوتر مع إيران على الأقل في هذا التوقيت الحرج لها على الصعيد الداخلي والمتمثل في تردي الأوضاع الاقتصادية والخلافات الناشبة بين العائلة المالكة، بينما على الصعيد الإقليمي يشكّل حاجة إضافية في ظل إخفاق السعودية في تحقيق أهدافها في خلط أوراق المنطقة على مدى عقد من الزمن من خلال دعم الإرهاب والحروب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، فضلاً عن أن توظيف ملف مقتل خاشقجي زاد من إحراجها على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتنامي دور النظام التركي على حسابها، وتغيّر حليفها في البيت الأبيض.