ق. ق. ج في اتحاد الكتاب
لم يشهد المثقف العربي حالة من “القطيعة” – إن صحت تسميتها – بين أقرانه كما هي حاله اليوم في هذه المرحلة العسيرة التي ألمّت بواقعنا العربي الذي ما زال يعاني ويلات الحروب والتهجير القسري وتبعات ما يُسمّى “الربيع العربي”.
ولرأب هذا الصدع، يسعى اتحاد الكتّاب العرب في سورية إلى إيجاد جسر تواصل بين المثقفين العرب، حيث تكلّلت بعض محاولاته بالنجاح وتعثرت أخرى، ففي فرع دمشق أُقيمت فعالية أدبية شارك فيها القاصّان العراقيان عبد الكريم السامر وعبد الأمير محسن، والقاصّ السوري أيمن الحسن.
من واقع الحرب في العراق، استوحى الكاتب عبد الكريم السامر قصصه القصيرة العديدة التي تصف الأحوال والأماكن، فقرأ (الخطوات، حذاء، قرص تعريفي، صور، أمر، قصف، لغم، منزل، طريق، تحقيق). ونذكر منها قصة “حذاء”: في الطريق إلى المدرسة لمح حذاء زميله قرب الحطام، يومئذ، وهو يجلس وحده على منضدة الدراسة. وقصة “لغم”: أنزل الجنود الفوهات، وذهب القادة إلى بيوتهم، راح الجنود يرقصون ويغنّون فرحين بنهاية الحرب، ازدادوا حماسة، توسّعت دائرة الرقص، مات جميل بلغم كانوا قد نسوه.
وقدم عبد الأمير محسن ست قصص قصيرة جداً (الزمن الفائض، حمار، العكازة، عازف الناي، حية ودرج، صهيل) نذكر منها قصة “حية ودرج”، وهي اسم لعبة ذائعة الصيت في العراق: كلما لعبت مع ابني الصغير فزت عليه بالحيلة، فيعضّ شفتيه متوعّداً، طالباً من أمه أن تكون حكماً وشاهداً ومساعداً في آن، كان بيني وبينه اتفاق معلن أن أشتري له دراجة هوائية إن فاز، وأن ينام باكراً، صار الوضع مختلفاً الآن، هما بأربع أعين ولسانين وعشرين إصبعاً، قلت لها وأنا أحاول عقد اتفاق مبطن معها: إن فزتما يبقى الوضع كما هو عليه، وإن فزت أنا.. ، وأشرت إليها بإشارة خفية. قالت: “ماذا يقترح الغشاش” وهي تدني ابنها من صدرها، قلت وأنا أصرّ على أسناني كي لا ينتبه الولد “سأقطع لسانك”.. وبدأنا اللعب، أخذا يتقدمان عليّ كثيراً، صعدا سلّمين طويلين فيما ابتلعتني أكثر من أفعى.. أدع كل نرد بحرقة، يمرّ سريعاً فوق المربعات الملوّنة، بدأت أتقدم.. أمسك النرد، أتوسّل وجوهه الستة.. يذهب متقلباً متدحرجاً، كان قلبي يخفق ونبضي يزداد، يتوقف النرد، صفّق الولد لخسارة أبيه، بينما راحت أمه تخرج لسانها إغاظة.. هجما عليّ يطالباني بتنفيذ الاتفاق المعلن.
واستمع الحاضرون لخمس قصص قصيرة جداً تلاها القاص السوري أيمن الحسن (ما يشبه التقديم، زهرة الغد، المنجل المكسور والحرب، عن امرأة بقربي، غضب أمي) نأخذ منها قصة “زهرة الغد”: اعتادت أن تحضر معها كيس بذور في حقيبتها النسائية، حتى إذا ما استقلت الحافلة الكبيرة مع زميلاتها، وسارت بهنّ إلى المصنع البعيد، راحت ترشّ تلك البذور من نافذة الحافلة، بينما تعترض صاحباتها العاملات على فعلتها غير المجدية، إلى أن جاء الربيع، فتزينت ضفتا الطريق بالأزهار الجميلة، وسرعان ما تذكرت الزميلات قولتها التي كانت تردّدها كل صباح “خلقنا الله لا لندفن جثثنا في الأرض، بل لنزرعها أيضاً”، لكن العاملة الحكيمة لم تكن موجودة في الحافلة، إذ استهدفتها رصاصة قناص زرعتها بذرة في حضن هذه الأرض الطيبة إلى الأبد.
كما استضافت الفعالية أيضاً الفنان والمخرج العراقي مجيد عبد الواحد الذي قصّ على مسامع الحضور قصة حياته وتجاربه. وتلا الفعالية حفل توقيع كتاب “النص المتشظّي للـ ق ق ج” للأديب محمد الحفري.
علاء العطار