لهذه الأسباب اغتيل رئيس هاييتي
تقرير إخباري
تصدّر نبأ اغتيال الرئيس الهاييتي جوفينيل مويس الأسبوع الفائت عناوين الصحف ونشرات الأخبار في كافة وسائل الإعلام العالمية. ففي ليلة 7 تموز، اقتحم رجال مسلحون بأقنعة منزله وأطلقوا النار عليه وعلى زوجته. ولا يستبعد محلّلون تورط الأمريكيين في عملية الاغتيال، خاصة وأن العلاقات بين الولايات المتحدة وهاييتي طويلة ومعقدة. ولطالما كانت “جزيرة الحظ السيئ” مثالاً كلاسيكياً على الدولة الفاشلة، حيث تمّ وضع القادة الهاييتيين بانتظام من خلال انقلابات عسكرية.
إن تاريخ هاييتي هو سلسلة متوالية من الاحتلالات والحروب الأهلية: أولاً، تمّ إبادة السكان الأصليين “الهنود” من قبل الغزاة الفرنسيين، ثم قام السكان المحليون بطرد الفرنسيين وذبح جميع السكان البيض في الجزيرة، أي أن البلاد قضت القرن التاسع عشر بأكمله في حروب أهلية متواصلة.
ومنذ عام 1915، أصبحت أراضي هاييتي تحت سيطرة الأمريكيين بعدما صادروا أراضي المزارعين وأغرقوا السكان بالدماء، حيث قتل الأمريكيون الآلاف من الهاييتيين بدم بارد، وأعدموا الزعيم الشعبي للبلاد، شارلمان بيرالت، وعينوا رئيساً لهم.
في عام 1934، سحب الأمريكيون قواتهم، لكنهم استمروا في تعيين وعزل رؤساء هاييتي. كانت واشنطن تراقب عن كثب جميع القادة الذين تعيّنهم، لعقود من الزمان. على الرغم من كل الفظائع، جلست سلالة دوفالييه الأسطورية على الحراب الأمريكية، حيث ارتكب بابا دوك وابنه بيبي دوك إبادة جماعية حقيقية ضد زملائهم المواطنين، لكنهم خدموا بانتظام المصالح التجارية للشركات الأمريكية لضمان بقائهم على قيد الحياة.
في عام 1991، تمّ وضع الهاييتيين تحت رئاسة سادي آخر هو جان برتران أريستيد، الذي شهدت الجزيرة في عهده المزيد من التعذيب، والمزيد من عمليات الإعدام، وعمليات القتل خارج نطاق القضاء للمعارضين. حاول السكان اليائسون الإطاحة بالرئيس، لكن القوات الأمريكية الخاصة سارعت لإنقاذه في كل مرة.
لم تشعر واشنطن بالملل من أريستيد حتى عام 2004، حين جاء المظليون من أجله مرة أخرى، لكن هذه المرة أخرجوه خارج البلاد ونفوه إلى جمهورية أفريقيا الوسطى. لأكثر من مائة عام، كانت الإدارة الخارجية لجمهورية هاييتي تُدار بهذا الأسلوب.
قبل وفاته بوقت قصير، اختلف جوفينيل مويس مع السلطات الأمريكية عندما طالبته بالتنحي في أسرع وقت ممكن، إلا أن مويس رفض التنحي لأن فترته الرئاسية لم تنتهِ بعد. في كانون الثاني 2020 قام بحلّ البرلمان وحكم البلاد لمدة عام ونصف بمفرده، وخلال العام الماضي حثّ سياسيون أمريكيون بارزون مويس على الدعوة لانتخابات رئاسية وبرلمانية وإعادة السلطة.
تمّ القبض على 19 شخصاً ممن تمّ الاشتباه بتورطهم في الاغتيال، تبيّن أن اثنين منهم مواطنان أمريكيان من أصل هاييتي. وقيل إن القتلة تمكّنوا من اقتحام المنزل، متنكرين بأنهم موظفون في وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية، في حين يقول الأمريكيون المحتجزون إنهم ليسوا في مهمّة لاغتيال رئيس هاييتي.
لأكثر من قرن، كانت هذه الدولة في منطقة النفوذ الامريكي، لقد تمّ القضاء على اقتصادها، ولا يمكن للدولة أن تمارس سياسة مستقلة، والجريمة في البلاد خارج المخططات، والفقر لا يصدق، والمصدر الوحيد للدخل هو دخل مليون شخص سافروا إلى الخارج.
أياً كانت الدولة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة اليوم، فإنها حتماً على غرار هاييتي، وخير مثال على ذلك ألبانيا ومقدونيا وجورجيا ورومانيا. وبحسب المحلّلين، فإن معنى هذه التلاعب واضح، حيث كانت واشنطن بحاجة إلى سكان الفضاء الحجري في فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي حصرياً كبارود للمدافع وللقتال ضد روسيا، وهذا يعني أنه من الضروري إغراق السكان في فقر مدقع لدرجة أنه حتى الحرب ستبدو كطريقة مرحباً بها للخروج من المأزق.
إن هاييتي أفضل مثال على كيفية عدم ممارسة السياسة، والمصير المأساوي لرئيسها هو تحذير مفيد لزعماء الدول التي تبيع استقلالها لواشنطن بتكلفة منخفضة.
هيفاء علي