دراساتصحيفة البعث

ما بعد الانسحاب من أفغانستان

تقرير إخباري

يشكّل الانسحاب الغربي من أفغانستان اعترافاً بفشل مرير وهزيمة نكراء للولايات المتحدة وحلفائها، ويمثل بلا شك تحدياً أمنياً كبيراً لدول المنطقة. لذلك من المهمّ التركيز على الإجراءات التي اتخذتها روسيا والصين وإيران بشأن هذا الملف.

أولاً، ماذا سيحدث لأفغانستان من الآن فصاعداً؟. أثناء الانسحاب الغربي قامت حركة طالبان بالسيطرة على جزء كبير من البلاد، وهي الآن في وضع الهجوم في محاولة للسيطرة على الدولة بأكملها. وحول هذه النقطة تشهد البلاد هزيمة القوات الأفعانية التي تستسلم أو تهرب من القتال في مواجهة تقدم طالبان، وقد لجأ الكثير منهم بالفعل إلى طاجيكستان، الدولة السوفييتية السابقة الواقعة في آسيا الوسطى، والتي وافقت على استضافة جنود أفغان على أراضيها على أساس إنساني. فيما يتوسّل آخرون من حلفائهم الأمريكيين لإجلائهم من أفغانستان مع عائلاتهم. بهذا المعنى ومن الناحية الواقعية، لن يحصل سوى القليل منهم على هذه “الخدمة” الغربية.

ثانياً، وبالنظر إلى هذا الوضع، ما هو تأثير ذلك على أمن الدول المجاورة لأفغانستان، وخاصة في آسيا الوسطى -معظمهم من حلفاء روسيا- وجزء من منظمة معاهدة الأمن؟. في هذا السياق، حشدت طاجيكستان بالفعل ما يقرب من 20000 جندي لحماية حدودها مع أفغانستان، وطلبت أيضاً المساعدة من حليفها الروسي، وكذلك منظمة معاهدة الأمن الجماعي في حال تدهور الوضع، إذ من الواضح أن وجود نظام “طاعة” على حدودها يمثل تحدياً خطيراً لآسيا الوسطى، ولكن أيضاً لروسيا والصين وإيران، خاصة وأن أفغانستان قد تصبح أرضاً مواتية لعناصر “داعش”. لذلك من الضروري أن تتخذ القوى الأوروبية الآسيوية وحلفاؤها جميع الترتيبات الأمنية اللازمة، وهي عملية جارية بالفعل.

ثالثاً، وللتحدث عن الإجراءات التي اتخذتها الصين وروسيا وإيران، تجدر الإشارة إلى أن الدول الثلاث تعمل بنشاط على وضع آليات لإبقاء الوضع تحت السيطرة على المستوى الإقليمي. ففي 7 تموز الجاري، استضافت إيران، من خلال مشاركة وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، اجتماعاً مع الأفغان بين ممثلي الحكومة في كابول وطالبان. وعلى الجانب الصيني، سيزور وزير الخارجية وانغ يي ثلاث دول في آسيا الوسطى هذا الأسبوع: تركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان، وكلها جيران لأفغانستان.

وبحسب محلّلين صينيين، فإن الزيارة ستوفر منصة للصين والدول الثلاث المعنية للتعاون في مجال الأمن الإقليمي. وتقول بكين أيضاً إنها مستعدة لتقديم الدعم المالي والتقني للدول التي تواجه تحديات أمنية في مناطقها الحدودية.

أما بالنسبة لروسيا، فهي تشترك في علاقات تحالف قوية مع دول آسيا الوسطى، وتبقى حريصة ومدركة جداً للوضع على الأرض. وكان وفد من طالبان زار موسكو مؤخراً تركز على عدة نقاط مهمة هي: صون أمن الدول المجاورة ومحاربة عناصر “داعش” على الأراضي الأفغانية، ومكافحة تهريب المخدرات التي نشطت أثناء الوجود الأمريكي في أفغانستان.

يبقى انتظار ما إذا كانت طالبان ستفي بوعودها، لأنه يوجد على الجانب الروسي خط أحمر لا يجب تجاوزه، وهذا الخط يتعلق بأمن حلفائها في آسيا الوسطى، وإذا لزم الأمر، فلن تتردّد روسيا في استخدام القوة إذا تعرض أمن حلفائها للتهديد، ويبدو أن طالبان تتفهم ذلك تماماً.

هيفاء علي