الإنسان في خطاب القسم.. “القيم الوجودية في فلسفة الرئيس الأسد”
د. سومر منير صالح
منذ اللحظات الأولى لإعلان الحملة الانتخابية للسيد الرئيس بشار الأسد “الأمل بالعمل”، بدا جلياً أنّ مرحلةً جديدةً بكلّ تفاصيلها قادمةً وعلى جميع الصعد والمستويات، وأنّ هذه المرحلة تنطلق من أساسِ فلسفيِّ ثقافيٍّ ومن ثمّ سياسيّ، وأنّ السياسة كعملٍ ونتائج متوخاةٍ تكون أكثرَ ديمومةَ ونضجَا إذا ارتكزت على بنيةٍ ثقافيةٍ وأساسٍ معرفيّ، ولم تكد تنطلق الكلمات الأولى للخطاب الرئاسيّ حتى تجلّت الصورة بهيّةً لهذا الجذر الثقافيّ والعمق الفلسفيّ للشعار ألّا وهو الإنسان، وبوضوحٍ شديدٍ كانت مفردات (الوطن، الشعب، الإنسان، المجتمع)، هيّ المفردات الأكثر حضوراً في خطاب القسم الرئاسيّ للسيد الرئيس بشار الأسد (17/ 7/ 2021)، ولأنّ الخطاب تاريخيٌّ في دلالاته، ومحددٌ مستقبليٌّ لتوجهات عمل الدولة، وراسمٌ بالأطر العريضة لملامح العمل الحكوميّ والمؤسساتيّ وفق مقتضيات الدستور، تكون معها مضامين كلّ كلمةٍ واردةٌ في الخطاب خطة عملٍ وإرهاصٌ لاستراتيجيةٍ أو سياسةٍ عامة.
وحضور الإنسان في خطاب القسم الرئاسيّ كان مدعاةً للتأمل والتفكير بمضامينه وأهدافه، التي حددها الرئيس الأسد وضوحاً، فـ (هدف الحروب الحديثة الإنسان قبل الأرض، فمن يهزم الإنسان يربح الحرب) – الكلام للرئيس الأسد – والإنسان كتلةٌ من العقائد التي تُشكّل روح المجتمع، والإنسانية المشبعة بالانتماء والعقائد هيّ بوصلةٌ وهيّ أخلاقٌ. وبإتقانٍ فكريٍّ فريدٍ تكاملت مصطلحات الخطاب الرئاسي بين (الإنسان، والشعب والمجتمع)، راسمةً بدقةٍ البنية الثقافية للمجتمع السوريّ، فالإنسان الواعيّ هو حصن الوطن (الوعيّ الشعبيّ هو حصننا)، والإنسان حضر في خطاب القسم الرئاسي لا بصفته السياسية (بمعنى مواطنٌ بالمعنيين القانوني والسياسيّ) بل حضر كبنيةٍ ثقافيةٍ ونفسيةٍ، مُدركةٍ للواقع، وهذا دلالةٌ على أنّ الإنسان في فكر الرئيس الأسد (قيمةٌ بحدّ ذاتها) تستمد وجودها من ذاتها المدركة، لا بصفتها مجرد فردٍ في مجموعٍ شعبيٍّ، والشعب ليس مجموعة أفرادٍ يعيشون في بقعة واحدةٍ فقط، بل هيّ مجموع الذوات الإنسانية (الحيّة والعريقة)، التي تستمد تكوينها من تاريخها وكينونتها الواعية، المستندة إلى خبرة التاريخ وأصالة الثقافة، وهنا تجلّى مقصد السيد الرئيس ألاّ وهو توصيف الانتماء وماهيته فـ(هو حالةٌ حضاريةٌ إنسانية)، والانتماء هو إحساس الإنسان بمجتمعه، وهو أساس التوازن النفسيّ له، والانتماء يتحدد بالتفاعل مع المجتمع.
وحضور الإنسان المكّون للمجتمع في الخطاب الرئاسيّ له دلالاتٌ عميقةٌ، تاريخيةٌ وراهنةٌ ومستقبليةٌ، ولكن قبل ذلك، لابدّ من تثبيت الهدف الكلّي من استحضار الإنسان كركيزة من ركائز الخطاب، وهو إحياء القيم الوجودية في الفكر السياسيّ والثقافيّ السوريّ في مواجهة “الفوضى العدمية” التي أرادت قوى العدوان ومراكز بحوثهم إقحام الإنسان والمجتمع السوريّ بها، وهو ما ختم به الرئيس الأسد خطابه بعبارة (لنكافح الإحباط بالأمل)، فالعدمية تُخلق من رحم الإحباط، والوجودية تنمو في بيئة الأمل وهيّ جوهر فلسفة الأمل بالعمل، أيّ الوجود يتحقق بالعمل والكرامة تتحقق بالعمل.. وبالعودة إلى الدلالات العميقة (التاريخية والراهنة والمستقبلية)، فالإنسان هو هدف الحرب على سورية والتي أراد المخططون لها تدمير نسيجها المجتمعيّ ونسف مفهوم المواطنة والوحدة الوطنية، لتكون التجزئة هيّ النتيجة والعدمية الفكرية والوجودية أيضاً عبر الوكلاء والأصلاء، وهو ما فشل به المخططون، وراهناً الإنسان هو في قلب الصراع وهدفه فـ (الحرب النفسية المعقدة التي تعرضنا لها خلال الحرب) والاقتصادية أيضاً هدفها ضرب الوعيّ وإضعاف الإرادة، والتجييش الشعبيّ ضد الدولة، أمّا مستقبلاً فالإنسان هو أداة الإعمار وهو مستقبل سورية وهو الرهان لسورية المتجددة.
وختاماً، لأنّ الإنسانية هيّ رتبةٌ ومنزلةٌ، لها خصالها النفسية والسلوكية والعقلية، أراد الرئيس الأسد أن تكون ركيزة التسامح، باعتبارها ركيزة استقرار المجتمع، وديمومة هذا الاستقرار على قاعدة احترام المسلمات تحت سقف القانون وأولوية الوطن.