ما بقي في الجرار الأدبية!
حسن حميد
تابعت هذه السنة كعادتي في كل سنة، ما يقال عن رحيل الأدباء والفنانين والأعلام عامة في ذكرى رحيلهم، وقد كانوا في حياتهم جهةً لمنابع الضوء، والشهرة، والإبداع النايف، فلم أجد ما يبل أشواقي لمعرفة المزيد عنهم لأنّ ما يُكتب عنهم يدور في مدارات باتت معروفة ومدركة، ولا تخلو من حالات نقل الكلام من سنة ماضية إلى سنة تتلوها، فلا جديد، ولا أخبار، ولا أسرار كتابية أو فنية، ولا اكتشافات أو إفصاح عن مخبوءات عثر عليها أهل هؤلاء المبدعين أو أهل النقد والمتابعة الذين أوقفوا سنوات من حياتهم لمتابعة تجارب أدبية وفنية لأدباء مثل نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وجبرا ابراهيم جبرا، وغسان كنفاني، وخليل حاوي، ونزار قباني، ومحمد الفيتوري، وبدر شاكر السياب، وإحسان عباس، ومي زيادة، وعبد الوهاب البياتي، وأدونيس، ولفنانين كبار من الصعب الإشارة إلى أسمائهم كي لا تزلّ بنا قدمٌ، وأسأل كيف يحدث مثل هذا؟! وهؤلاء الكبار من أهل الأدب والفن لم يرحلوا منذ أزمنة بعيدة عن دنيانا؟! وكيف للنقّاد والمهتمّين والمؤسّسات في بلدان أخرى يعثرون، وتعثّر، في كل عام تقريباً على عمل جديد أو وثيقة جديدة يُضاف وتضاف إلى سير أعلام وفنّانين في أزمنتهم كانوا من أهل الشهرة والمكانة، ومازالت أنوارهم الإبداعية قادرة على الإشعاع حتى اليوم؟ أسأل كيف يعثر الفرنسيون على جديد يُضاف إلى تجربة سارتر أو ألبير كامو سنوياً، وكيف يعثر الألمان على جديد يُضاف إلى تجربة غوته وتوماس مان، وكيف يعثر الهنود على ما يسمّونه الاكتشاف الجديد الذي ينير جانباً من حياة طاغور؟! ونحن تمرّ بنا السنوات كلمى، فلا نجد رسالة جديدة تركها أديب أو فنان، أو نعثر على حوار منشور في مجلة أو صحيفة غير مشهورة أو معروفة، أو نعثر على نصوص لم تكتمل لفلان أو فلان؟! ترى لماذا، وأي الأسباب تكمن وراء ذلك؟! إنني أتساءل هل كل ما قيل أو نُشر وعُرف عن نزار قباني هو ما يمثّل حياته الأدبية؟! أم أنّ الكثير أو القليل لم يُعرف بعد؟! وما السبيل لمعرفته؟! وهل كل ما رسمه فاتح المدرّس، وما قاله، وما رُوي عنه يمثّل حياته الأدبية والفنية معاً؟! ألم يترك وراءه نصوصاً قصصية وشعرية غير تلك التي عرفناها، ألم تغادر مرسمه لوحات فائقة الجمال والقيمة ولم نعرفها نحن ولا متاحف الفن؟! وهل قيل كل شيء عن الحياة الأدبية لـ نجيب محفوظ، كاتبنا العالمي، أم ما زالت أشياء ذات قيمة ذهبية في الجرار الأدبية.
أعرف أنّ معرفة كل شيء، بالمطلق، عن الأديب أو الفنان، أمر مستحيل، لكن المؤلم والموجع أنّ الكثير مما هو طيب ومهم ونافع وكشّاف يتسرّب من الذواكر، ويتلاشى ويضمر لأنّ الاهتمام قليل، اهتمام الأفراد والمؤسسات في آن، ولاسيما حين ينصرف الأدباء والفنانون الكبار عن كتابة سيرهم زهداً بها، أو تقليلاً لشأنها وهم يقدرون على كتابتها؛ في البلاد الأخرى لازم أدباء ومهتمون أهل الريادة والشهرة في الأدب والفنون كيما يكتبوا سيرهم، وعاشوا معهم، وطاردوهم بالأسئلة والاستفسارات انهماماً من أجل كتابة سيرة ذاتية ربما تكون شاملة أو قليلة النقص، ونحن لدينا أدباء وفنانون لا يقلّون أهميةً عنهم، ولكن لا نعرف إلا القليل أو الشحيح الذي يُضاف إلى ما عرفناه من نصوصهم التي نشروها.
تُرى متى نولي الحياة التي ماشت حياة الأديب، أو الفنان،الإبداعية الاهتمام الذي تستحقه.. لكي تُنار معرفتنا بهم وبنصوصهم بما يليق بها من أوهاج المحبة والتقدير؟.
Hasanhamid55@yahoo.com