كوفيد-19.. آثار كارثية اقتصادية واجتماعية
عناية ناصر
تسبّبت جائحة كوفيد-19 في اضطراب كبير في حياة الناس وسبل عيشهم في جميع أنحاء العالم في عام 2020، مما دفع 119-124 مليون شخص إضافي إلى الفقر. ووفقاً لتقرير جديد للأمم المتحدة، فقد تمّ فقدان ما يعادل 255 مليون وظيفة بدوام كامل، وربما زاد عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع الذي كان يرتفع بالفعل قبل الوباء بمقدار 83-132 مليوناً.
تمّ إعداد التقرير من قبل شُعبة الإحصاءات في الأمم المتحدة، وهي قسم من إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، بالتعاون مع أكثر من 50 منظمة دولية وإقليمية. يستعرض التقرير السنوي التقدم المحرز في خطة التنمية المستدامة لعام 2030، باستخدام أحدث البيانات والتقديرات المتاحة لتتبع التقدم العالمي للأهداف السبعة عشر، مع تحليل متعمّق للمؤشرات المختارة لكل هدف، ويسلط الضوء على الآثار المدمرة لـ كوفيد-19 على أهداف التنمية المستدامة، ويشير إلى المجالات التي تتطلب إجراءات عاجلة ومنسقة. كما يشير التقرير إلى أن القرارات والإجراءات المتخذة خلال الأشهر الثمانية عشر المقبلة ستحدّد ما إذا كانت خطط التعافي من الجائحة ستضع العالم على مسار للوصول إلى الأهداف المتفق عليها عالمياً والتي تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية مع حماية المجتمع.
لقد كشف الوباء عن التفاوت داخل البلدان وفيما بينها وزاد من حدتها، واعتباراً من 17 حزيران 2021، تمّ إعطاء نحو 68 لقاحاً لكل 100 شخص في أوروبا وأمريكا الشمالية مقارنة بأقل من 2 في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وستتعرض ما يصل إلى 10 ملايين فتاة أخرى لخطر زواج الأطفال نتيجة الوباء خلال العقد المقبل، كما أن انهيار السياحة الدولية بشكل كبير يؤثر على الدول الصغيرة النامية.
لم يؤدِ التباطؤ الاقتصادي في عام 2020 إلى تراجع أزمة المناخ، فقد استمر تركيز الغازات الدفيئة الرئيسية في الزيادة، في حين كان متوسط درجة الحرارة العالمية نحو 1.2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وهو قريب بشكل خطير من حدّ 1.5 درجة مئوية المنصوص عليه في اتفاقية باريس. وانخفضت التدفقات العالمية للاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 40٪ في عام 2020 مقارنة بعام 2019، وقد جلب الوباء تحديات مالية هائلة، ولاسيما بالنسبة للبلدان النامية مع ارتفاع كبير في أزمة الديون.
توفر خطة عام 2030، التي اعتمدتها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في عام 2015، الآن وفي المستقبل، مخططاً مشتركاً للسلام والازدهار للناس وكوكب الأرض، وتكمن في جوهرها الأهداف السبعة عشر، لتحسين الصحة والتعليم، والحدّ من عدم المساواة، وتحفيز النمو الاقتصادي، والعمل للحفاظ على المحيطات والغابات. وفقاً للتقرير، ولإعادة أهداف التنمية المستدامة إلى المسار الصحيح، يتعيّن على الحكومات والمدن والشركات والصناعات استخدام التعافي لاعتماد مسارات تنمية منخفضة الكربون ومرونة وشاملة من شأنها تقليل انبعاثات الكربون والحفاظ على الموارد الطبيعية وخلق وظائف أفضل، وتعزيز المساواة بين الجنسين.
أعلنت الحكومات في عام 2020 في جميع أنحاء العالم عن أكثر من 1600 إجراء للحماية الاجتماعية معظمها قصير الأجل استجابة لأزمة كوفيد 19. من المرجح أن تؤدي الصدمات المرتبطة بالوباء إلى ارتفاع معدل التقزم والذي يؤثر بالفعل على أكثر من طفل واحد من بين كل خمسة أطفال. لقد أوقف الوباء التقدم في الصحة وشكّل تهديدات كبيرة تتجاوز المرض نفسه، فنحو 90٪ من البلدان لا تزال تبلغ عن تعطل في الخدمات الصحية الأساسية. كما يعدّ تأثير جائحة كوفيد 19 على التعليم “كارثة للأجيال”، إذ هبط 101 مليون طفل وشاب إضافي إلى ما دون الحدّ الأدنى لمستوى إتقان القراءة، مما أدى إلى القضاء على مكاسب التعليم التي تحققت على مدار العقدين الماضيين، كذلك أثرت الجائحة سلباً على التقدم نحو المساواة بين الجنسين، فقد اشتد العنف ضد النساء والفتيات، ومن المتوقع أن يزداد زواج الأطفال، كما عانت النساء من فقدان الوظائف وزيادة أعمال الرعاية في المنزل.
وبيّن التقرير أن 759 مليون شخص يفتقدون للكهرباء، ويفتقر ثلث سكان العالم إلى وقود وتقنيات الطهي النظيف في عام 2019. صحيح أن التعافي الاقتصادي يجري بقيادة الصين والولايات المتحدة، ولكن بالنسبة للعديد من البلدان الأخرى من غير المتوقع أن يعود النمو الاقتصادي إلى مستويات ما قبل الوباء قبل 2022 أو 2023.
لقد فشل العالم في تحقيق أهداف عام 2020 لوقف فقدان التنوع البيولوجي وفقدان 10 ملايين هكتار من الغابات بين 2015-2020. ورغم ارتفاع صافي المساعدة الإنمائية الرسمية في عام 2020 إلى ما مجموعه 161 مليار دولار، إلا أن هذا لا يزال أقل بكثير مما هو مطلوب للاستجابة للأزمة.