واحد بثلاثة.. فمتى يكونون ثلاثة بواحد؟
مديرية الموارد المائية والمؤسّسة العامة لمياه الشرب والشركة العامة للصرف الصحي، ثلاث جهات رسمية عامة موجودة في كل محافظة، ولكل منها شؤونها الإدارية والمالية، ولكنها تتبع لوزارة واحدة هي وزارة الموارد المائية، ومن المفترض أن يكون التنسيق بين هذه الجهات على أتمّ وجه، ضمن كل محافظة، بحيث تكون الموارد المائية محيطة علماً بالواقع المكاني والكمِّي والنَّوعي لكافة مواردها (الأنهار والبحيرات والسدود والعيون والينابيع ومواطن المياه الجوفية) ضمن المحافظة، وأن تكون عيناً رقيبة عليها، لضمان استبعاد أي تلوث يلحق بها، وأن تدفع الأذى البيئي -وقاية أو علاجاً- عن أيّ منها، وأن تكون المرشد الأساس والدليل الأوليّ لمصادر المياه التي يمكن للمؤسسة العامة لمياه الشرب أن تستثمرها خير استثمار لمصلحة تأمين مياه الشرب، في ضوء ما هو معروض ومطلوب من حاجات المياه على خريطتها السكانية والمنشآتية، ضمن إطار ما لديها من إمكانات، وأن تكون عيناً ساهرة لضمان كفاية مياه نسبية للمشتركين، وسليمة من أي تلوث قد يلحق بها، وأن تكون الشركة العامة للصرف الصحي ملتزمة بوضع المزيد من خطط مشاريع الصرف الصحي وفق أولويات الأهم فالمهم، وأن تنفذ مشاريعها بجودة عالية، بعيداً عن تسبّبها بأي تلوث آنيّ أو مستقبلي قد يلحق بالموارد المائية المستثمرة لمصلحة المؤسسة العامة لمياه الشرب أو التي ستؤول للاستثمار لاحقاً، أكان هذا الاستثمار لغاية مياه الشرب أو الري الزراعي، ما يجعل من المفترض وجود تنسيق عالي المستوى، متتابع ومدروس بين الجهات الثلاث، من خلال لقاءات دورية ومنتظمة، لا الاكتفاء بالمراسلات المتبادلة والمتكررة، وتسجيل ملاحظات دون معالجات.
إن الموارد الطبيعية للمياه موجودة منذ قرون طويلة، حيث كانت العيون والينابيع هي مصدر الشرب الأساس لجميع أبناء الريف وضواحي المدن، وفي العقود القديمة يندر أن حدثت شكوى من عدم صلاحية هذا النبع أو ذاك، وكانت الأنهار مصدر سقاية المواشي أثناء الرعي نهاراً أو عند العودة من المرعى ظهراً أو مساءً، بل كانت الأماكن العميقة من النهر مسبحاً يؤمّه الشباب صيفاً بلا مقابل لساعات طويلة، والجهات الثلاث المذكورة -ذات العلاقة بهذه الموارد، جهات حكومية محدثة منذ عقود، ومعنية نظرياً بالمهام التي تمّ استعراضها أعلاه، ولكن التلوث الذي لحق بالموارد المائية نتيجة قصور تنفيذ- أو سوء تنفيذ- الصرف الصحي أخرج الكثير من العيون والينابيع من صلاحية الشرب، وأخرج جميع الأنهار –على الأغلب– من صلاحية الشرب والسباحة، ويندر أن تخلو مياه بحيرة سد من تلوث كبير، بما في ذلك بعض السدود التي تمّ إنشاؤها لغاية مياه الشرب، ما سينعكس على جودة مياه الشرب وعلى الزراعات التي تشرب من المياه الملوثة، وكثير من مستهلكي سمك بحيرات السدود لاحظوا تأثر السمك بهذا التلوث، وعزفوا عن استهلاكه، بل أثبتت العديد من الدراسات وصول التلوث إلى بعض مواطن المياه الجوفية في أكثر من منطقة، ولمرات عديدة كل عام تقوم المؤسّسة العامة لمياه الشرب بقطع الماء عن المشتركين لفترات زمنية متفاوتة نتيجة تلوث هذا المشروع المائي أو ذاك، وهذا حال العديد من المحافظات، إذ تبدو المشكلة وكأنها أقرب إلى التفاقم بدلاً من أن تكون أقرب للمعالجة.
أين وزارة الموارد المائية من رعاية التنسيق الدوري التخطيطي والتنفيذي الواجب الوجود بين هذه الجهات الثلاث للحدّ من التلوث المتفاقم، وإن انبرى من يقول إن التنسيق التخطيطي موجود وقائم بينها، وكثير من الورقيات تؤكده، فالواقع التنفيذي يظهر القليل من ذلك، بدليل تفاقم مشكلة تلوث مصادر المياه، والشكوى من قلة ساعات وصول المياه إلى نسبة غير قليلة من المشتركين خلال الأسبوع وربما أكثر، وميل نسبة من المستهلكين لشراء مياه العبوات البلاستيكية من بائعيها الجوالين والارتفاع التدريجي المتتابع لأسعارها، والارتفاع الكبير لأسعار المياه المعبّأة بعبوات صغيرة، حتى غدا سعر ليتر ماء الشرب أعلى من سعر ليتر البنزين، والطامة الكبرى ازدياد هذا التلوث وتسبّبه بإخراج العديد من موارد المياه المستثمرة وغير المستثمرة من الصلاحية، في الوقت المتفق عليه عالمياً أن الأزمة العالمية الكبرى المرتقبة هي أزمة مياه، ومن غير المقبول أبداً أن يكون لهذه الأزمة وجود في سورية، نظراً لارتفاع نسبة الأمطار السنوية فيها، وخاصة في مناطق الساحل السوري، فالحاجة ماسة لأن تكون الجهات الثلاث المعنية بموارد المياه بمثابة جهة واحدة، ولا أقصد ضمّها مع بعضها، ولكن أقصد التلاقي الميداني التنفيذي فيما بينها، والمؤسَّس له في التلاقي الإداري التخطيطي الملزم والملتزم.
عبد اللطيف عباس شعبان/ عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية