هل حقاً عادت أمريكا؟
ريا خوري
لم يكن الرئيس الأمريكي جو بايدن الوحيد الذي أعلن أن “أمريكا عادت إلى الطاولة”، عقب قمة مجموعة السبع التي انعقدت في بريطانيا، بل أصبحت العبارة شعاراً تردّده الرئيس بايدن والحكومة وأجهزة إعلام الرئيس. فالشعار يحمل بين طياته منهجاً سياسياً جديداً ونوايا سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية عديدة، بعضها غير معلن لاعتماده على ظروف وتطورات يعتبرها من وجهة نظره لم تنضج بعد. ومن هذا المنطلق يفهم أنها غابت فترةً من الزمن السياسي عن العالم، أو غُيّبت، خلال فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، وأن محاولات جرت، منها فوز بايدن، مهدت لمدّ يد الإصلاح إلى الجسد السياسي الأمريكي الذي يحتاج إلى إصلاح كبير في عقده ومفاصله الرئيسية بعد أن أصيب بأعطاب تسبّبت فيه سياسات أو تشريعات أو قوانين بعينها.
مرت عدة أشهر، وهي بالتأكيد فترة قليلة وغير كافية للحكم على مدى صدق وصحة هذا الشعار الذي اعتبرت الإدارة الأمريكية أنه يخصّ العالم الأوروبي أكثر من غيره، لكن تطورات علاقة الولايات المتحدة مع روسيا الاتحادية في عهد بايدن لا تشي بعودة كاملة للولايات المتحدة. صحيح أن اللقاء الذي جرى بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين وبايدن في جنيف اختلف شكلاً، واتسم حسب التقارير الصادرة في الولايات المتحدة ببعض الحدّة، إلا أنه لم ينبئ وقتها بعودة أكيدة إلى ممارسات كالتي كانت تمارس في الزمن الماضي، زمن ما بعد الحرب الباردة، وهو زمن لا يخلو من الخلافات والمشاحنات والمشاكسات، ولا يخلو أيضاً من تعاون مثمر كما بدا واضحاً في تصرفات الطرفين.
المثير في هذا الموضوع تحديداً حدث عندما قررت الولايات المتحدة العودة إلى ممارسات ما كان يُعرف في القرون الماضية بأسلوب دبلوماسية البوارج الحربية ودبلوماسية المدفع والصاروخ، والقصد هنا هو استخدام الولايات المتحدة قطعاً من أساطيلها الحربية في مظاهرة بحرية على مقربة من الحدود الإقليمية لروسيا وأوكرانيا في البحر الأسود. فقد اعتبرت موسكو هذه المظاهرة استعراضاً للقوة، وبالتالي، نوعاً من الاستفزاز تحت اسم مناورة للقوات البحرية لعدد من الدول وتحديداً دول حلف شمال الأطلسي.
لقد قرّر بايدن أن تقوم الولايات المتحدة بتنويع نظم التحالفات السياسية الدولية بعد أن اعتمدت نظاماً وحيداً أوحد، وهو نظام الأحلاف الدولية الكبرى فقط، مثل تحالف دول شمال الأطلسي، والتحالف الباسيفيكي. والآن يمكن إقامة أحلاف نوعية وأحلاف مؤقتة وأحلاف قضايا تنفك عن بعضها بعد أن كانت متحدة حول الكثير من القضايا وتنفضّ بعد إتمام مهماتها. بعض الدول التي شاركت في المناورات العسكرية في البحر الأسود ربما لم تعرف أن المناورة قرب المياه الروسية الأوكرانية تخدم أغراضاً مهمّة للولايات المتحدة، أهمها تثبيت وتأكيد قرار عودة الولايات المتحدة إلى ساحة التنافس الإستراتيجية، وهي الساحة التي تضمّ روسيا، القطب في مرحلة القطبية الثنائية، والصين الشعبية القطب الصاعد بقوة وبسرعة إلى مرتبة الأعظم والأقوى.