جورج أمادو والسوريون
ناظم مهنا
الكاتب البرازيلي جورج أمادو من كبار الروائيين في القرن العشرين، والأكثر شهرة بين كتاب أمريكا الجنوبية، رشح من قبل كتاب أوروبيين كبار لجائزة نوبل عام 1961 وظل مرشحاً حتى قضى منذ بضع سنوات، ولم ينلها كما لم ينلها كتاب كبار آخرون، ونالها من هو أقل قيمة وشهرة، فلم تعط لـ تولستوي صاحب رواية الحرب والسلم، بينما أعطيت للشاعر والقاص الاستعماري الإنكليزي رديارد كبلنغ عام 1907 ولم تمنح لغراهام غرين ولا لكازنتزاكي ولا لمورافيا، ولا للشاعر اليوناني ريتسوس! على كل حال هذا شأن الأكاديمية السويدية.
ولد جورج أمادو عام 1912 نشر روايته الأولى “بلاد الكرنفال” عام 1931 هو روائي إقليم “باهيا” أرض زراعة الكاكاو وموطن المزارعين وشركات التصدير، حيث الاختلاط البشري: خلاسيين، وأفريقيين، وهنود، وأوروبيين وعرب.. يقول أمادو في باهيا: “إن أي زقاق في باهيا يحتمل كل معجزات العالم”. إنه الروائي الأكثر واقعية والأكثر ملحمية، جعل من الإنسان وعلاقته بالأرض محور أعماله الروائية، مع تنوع في أعماله ومواضيعه، وبهذا عَبَرَ من المحلي إلى العالمي! ويشير الأديب السوري الراحل شاكر مصطفى إلى مراحل خمس في تاريخ أمادو الأدبي: الأولى، مرحلة قص الحوادث، وفيها وضع أمادو الأسس الرئيسية لكل ما سوف يكتبه فيما بعد. ثم تأتي مرحلة باهيا، ثم زراعة الكاكاو وقصص الأرض ومآسيها، ثم مرحلة القصص السياسية التي كتبها أثناء الحرب، وأخيراً أخذ يكتب القصص ذات الأبعاد المتعددة. نذكر من رواياته التي ترجمت إلى العربية: أرض ثمارها من ذهب، دروب الجوع، فارس الأمل، كانكان العوام الذي مات مرتين، غابرييلا قرفة وقرنفل.. عالم أمادو أخاذ، حاشد بالصراع والحب والخصب والموت الواقع والأساطير، وكل عمل من أعماله رائعة من الروائع! رائعته الرواية القصيرة “موت كنكس” حظيت بترجمتين إلى العربية، أبطالها من الصعاليك المتهتكين والبوهيميين.
في روايته الملحمية “غابرييلا قرفة وقرنفل” غابرييلا تشبه الأرض والنار والماء ورائحة القرفة والقرنفل، من بين كل العشاق والطامعين بها أحبت “نسيب” العربي، الذي يتمتع بالكرم والرجولة والحب.!
جورج أمادو صديق حقيقي للعرب، وللسوريين بشكل خاص، تكاد لا تخلو رواية من رواياته من سوري، وهو يتحدث عن السوريين بعمق وإعجاب، وقد كرسهم في أدبه مكوناً فعالاً للمجتمع البرازيلي، وقدمهم بصورة إيجابية، ويصرُّ أن يسميهم، كما هم: السوريين أو العرب، خلافاً لبعض كتاب أمريكا الجنوبية ومنهم ماركيز، يطلقون على المهاجرين السوريين لقب (أتراك) ويعتبر الأستاذ شاكر مصطفى أن مرد ذلك يعود إلى ان المهاجرين الأوائل من السوريين كانوا قد ذهبوا إلى تلك الأرض بأوراق ووثائق تركية، وهو يرى أن إطلاق صفة التركي على السوريين فيها شيء من الاحتقار المتوارث.
في رسالة من أمادو إلى صديقه السوري نخلة ورد عام 1963 بمناسبة ترجمته لمختارات من القصص البرازيلية إلى العربية، عبر عن نظرته الصريحة للعرب، نقتطع منها: “من جبال سورية ولبنان، انحدروا بقاماتهم الممشوقة، بقدرتهم على العمل والأحلام، بتوقهم للحياة، وبشجاعتهم الحازمة، اخترقوا المحيط، ونزلوا البرازيل، وفي اليوم التالي كانوا جميعاً برازيليين، ومن أعرق البرازيليين، ومن أوضحهم ملامحاً، وأشدهم وطنية، إن الدم العربي لعب دوراً من أكبر الأدوار شأناً في ديموقراطيتنا العرقية، في مساهمتنا في الثقافة العالمية، وفي نزوعنا الإنساني.. إن بين سورية والبرازيل كلّ هذا الدم الجامع، كل هذه الأخوة، كل هذه الحياة المعاشة”. أليست كلمات مفعمة بالعمق والحب والإنصاف من كاتب بهذا المقام؟!