عيد الأضحى في جبل العرب.. عادات وتقاليد تعزز الروابط الاجتماعية
تأخذ طقوس العيد في جبل العرب طابعاً خاصاً يعكس الكثير من العادات والتقاليد المنتشرة بين السكان، وتشكل هذه الطقوس والتي مازالت محافظة على الكثير من مفرداتها شكلاً مهماً من أشكال الترابط الاجتماعي.
عساكم من عواده
يحرص أبو غسان على تحضير القهوة المرة منذ ساعات الصباح الباكر استعداداً لاستقبال “المعيدين” حيث يفتح باب منزله منذ ساعات الصباح الباكر، ويضع دلة القهوة العربية المرة على طاولة وسط مضافة كبيرة وبجانبها الحلويات التي تم صنعها بالمنزل ليتم تقديمها للناس.
ومنذ ساعات الصباح الأولى، يبدأ المواطنون بزيارة الأكبر سناً والمرضى ومن لديه حالة وفاة لم يمر عليها عيد، وعبر أبو غسان عن سعادته بعودة طقوس عيد الأضحى، والجميع يشارك بهذه الاحتفالية الاجتماعية الجميلة، مصراً على عودة بهجة العيد رغم كل المنغصات.
وتستذكر أم أفراح وهي المرأة السبعينية أيام العيد سابقاً والتي طرأ عليها بعض التغيرات خاصة دعوات الطعام بين أفراد العائلة والجيران طيلة أيام العيد والأيام العشرة التي تسبقه، وبينت أن الطعام الذي كان يقدم هو من المأكولات الشعبية كاللزاقيات والشيش برك والمغربية وغيرها من الأكلات الشعبية.
وحول طقوس يوم العيد قالت: أنه منذ ساعات الصباح الأولى ليوم العيد يجتمع الأهالي في كل قرية لتقديم التهاني والتبريكات على الأهل والأقارب بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، وسط أجواء من الفرح والسرور، ومشاركة واسعة من الشرائح الاجتماعية.
حيث يجتمع الأهالي وسط الساحة العامة كباراً وصغاراً ويتبادلون عبارات التهنئة (كل عام وانتم بخير .. عساكم من عواده … كل سنة وأنتم سالمين.. وغيرها)، والتي تدل على ترابط الناس مع بعضها البعض، وبعد ذلك ترتفع أصوات الأهازيج والأغاني الشعبية التراثية التي تشتهر بها المحافظة.
وأشارت المرأة التي حضرت أكثر من سبعين عيداً أنه رغم مرور كل هذه المدة، إلا أن العيد ما زال محافظاً على الكثير من الطقوس، ومنها ارتداء الزي الشعبي لأبناء الجبل، وإن كانت الحرب وانتشار كورونا ألغى عادة مهمة وهي الاجتماع في الساحات العامة، حيث يقف العشرات من المشايخ وأهالي البلدة في صفين متقابلين يتبادلون التهاني والأطفال يطلقون المفرقعات والألعاب النارية في ظل أجواء من البهجة التي ارتسمت على وجوه الناس.
حراك اجتماعي
الناشط الاجتماعي وعضو المكتب التنفيذي سابقاُ بشار نصار أشار إلى الحراك الاجتماعي الذي يشهده العيد، والذي يهدف إلى ترميم جراح أبناء المجتمع عبر تقديم المعونات العينية والنقدية، حيث يشكّل العيد محطة للبسمة والراحة والاطمئنان وجمع الأقارب، ويعزز أواصر المحبة، ولكنه لايزال مثقلاً بهموم الوطن وأزمته، ولكن من خلال المجتمع الأهلي والجمعيات الخيرية نجد أن هناك حراكاً اجتماعياً كبيراً لترميم الجراح، مشيراً إلى محاولات التجار توفير المواد بأسعار مقبولة، وهناك حراك ونشاط داخل الأسواق ما يدل على رغبة المواطنين بعيش أجواء العيد.
وحول معاني العيد يقول نصار: هي أيام مباركة، ففي هذه الأيام نستذكر قيم الخير والمحبة التي نؤتمن جميعاً عليها، وسجايا كريمة تقدس الصدق والمحبة والتآخي بين أفراد المجتمع، والسعي لصلاح أفراده ليبقى الخير من صفاته، فكل منا مسؤول عن نشر هذه الخصال وتجسيدها لنعطي لمن حولنا المثل والقدوة، وبشكل عام فإن العيد كيوم مبارك له معان كبيرة بالنسبة لنا في جبل العرب، وللأيام العشرة التي تسبق العيد أهمية لدى رجال الدين، وأبناء المجتمع بشكل عام، حيث تتم زيارة الأماكن الدينية من مختلف الأعمار، وتأخذ هذه الفترة ملامح تختلف عن باقي أيام السنة، وتظهر بشكل واضح أنشطة اجتماعية هدفها الإكثار من الإحسان للرأفة بالمحتاج، وتقديم العون لمن يحتاجه من قبل أبناء المحافظة الميسورين.
وقال نصار: إن العيد بمفهومنا هو عيد الأهل واللقاء، وتبادل التهاني والأفراح، وتناسي الهموم، ويلعب دوراً في حياة الإنسان والمجتمع عبر التواصل الاجتماعي والوطني، وهي حالة نحن بأمس الحاجة لها هذه الأيام، خاصة أن حالة من التفاؤل والأمل بدأت تبرز بالخروج من الأزمة.
القادم أفضل
رغم كل المنغصات والآلام التي تثقل كاهل المواطن والمجتمع، إلا أن الإصرار على التمسك بالأمل هو سيد الموقف في التعامل مع يوميات العيد التي يجدها كثيرون بوابة للتخلص من الهموم، والعبور نحو أيام أكثر سعادة وراحة بال، وهذه الحال تبرز واضحة خلال أيام العيد عبر الدعاء المتبادل بين أبناء المجتمع بأيام قادمة تكون أفضل وأهدأ بالاً.
رفعت الديك