منظور أدبي جديد في المجموعة القصصية “لحظة فرح”
مجموعة قصصية عابقة بعطر البلاد، إذ لا تكاد قصة تخلو من نكهة الوجع المؤلم والأمل والمحبة والانتظار والحلم.
كان الحب الحاضر في القصص التي قدّمها الكاتب رياض طبرة في المجموعة الصادرة عن منشورات اتحاد الكتّاب العرب والمكوّنة من ثلاث وعشرين قصة صيغت بعناية فائقة وممتازة للتحليق في سماء الأدب، حيث بدأ الكاتب بالإهداء “إلى امرأة سقت خريف عمري بغيث ربيعها فكان عمراً من فرح”. كانت العناوين هي أول العتبات للوصول إلى فهم أعمق للقصص، فيلفت القارئ في عناوين قصصه، “لحظة فرح، الرصيف، السنديان، امتحان، أمي”، حيث وظف القاص علامات الترقيم توظيفاً ذكياً جعل منها فاعلة في البناء القصصي معينة له في تحقيق شروط التكثيف، وقد وفرت عليه الكثير من الكلمات وعبّرت عن تتالي الأحداث.
اتبع القاص أسلوباً سلساً وكأنه أجزاء من مقطع موسيقي، حيث يقول في قصة بعنوان “قف نبك”: “يا أيها المتعب من ذاته جميع المرايا لا تستجمع الصورة التي تمنيت لو رأيت روحك على ذراتها ذات حلم، اليوم ترى المدينة جذلى، نشوانة بعطر القيامة والتجدد ترتدي أبوابها قطارات محملة بالأريج لتظل الأرواح مفتوحة على الأمل”. هنا في هذا المقطع نرى أن الكاتب وظف الصور الفنية والفنون البلاغية في إنتاج لغة فنية قصصية شائعة شائكة التكثيف وجمالية السرد، حيث اعتمد الكاتب على نهج سردي يقارب الأسلوب الروائي، إذ عمد إلى تعزيز الحدث والسير باتجاه توسيعه مساحة القصة زمانياً ومكانياً وتوسيع مساحة العلاقات بين شخوص القصة حيث كان الحب حاضراً يطوف أرجاء القصص. وفي قصة “فالنتاين” يقول: “كم كانت لحظة استثنائية تلك التي شهدت اللقاء، إنها هي ذاتها منية النفس ومشتهاها تمدّ يدها، تصافحه، تهمس في أذنه كل عام وأنت..”. عند قراءة القصص نجد مستوى السرد عند الكاتب يعتمد على دقة اختيار المظهر الخارجي، فالقصص تطرح قصصاً من واقع الحياة، وقد امتلك طبرة القدرة على رسم المشهد وتحديد إطار القارئ ليقف على رسائل القصة دون أن يجد تعقيدات أو إيحاءات تخرجه عن السياق، وكل هذا ضمن سلسلة يستوعبها القارئ بسهولة ويستمر ليصل لنهاية المشهد ويعيد النظر في المسائل التي مرت في الحياة ليعرف تأثير الموقف على الشخص الذي عايشه في كل قصة من هذا الكتاب، حيث كانت تحاكي واقعاً أو تلقي الضوء على موضوع، وليس بالضرورة أن يكون مشكلة أو قضية بل ربما تصحيح لوجهة نظر أو قراءة مغايرة للرأي السائد.
في قصة “لحظة فرح” يقول الكاتب: “ثم صرت في صبح جديد لا تدري من كانت منهن أكثر حناناً في استقبالك دمشق، أم السويداء، أم صما، أم هذه المدينة الرائعة، أم امرأة لا تودّ أن تبوح باسمها فكرتك بحنان الأم واشتياق الحبيبة ونقاء الأخت وروعة الصديقة ووفاء الزوجة إنها لحظة فرح في وطني”. هنا نجد أن الكاتب يأخذ منحىً غريباً ولغة فائقة، ونجد أن هناك فلسفة الموقف أو الحدث وقد شكلت القضايا والتساؤلات والتنقل بين الأحداث عنصراً أساسياً عند المؤلف وبعث فيها الحركة والنشاط، كما أبدع الكاتب في تحريك شخوصها ببراعة ومرونة.
وجاء في قصة “كأنك واهم”: “تتقاذفك أفكار شتى وأنت تجرجر أحلامك في دروب المدينة وأزقتها، يحتضنك هذا الليل نفسه، لكن شبحاً يطاردك، لماذا تشعر الآن أنك إسفنجة تمتصّ عتب المدينة على أولئك اللاهين بلهوها”، اعتمد الكاتب هنا على تقنية الحوار وعلى وجهة نظر فلسفية مرتبطة برؤيا شاملة في الكون والحياة، فلديه موقف تحدّده طريقة تصوره لهذا الكون وارتباطه، وهي إشارة ودليل على ما بداخل المجموعة، وهناك جمالية فنية وكأن القاص يحرص على تحفيظ القارئ ما يقول.
“لحظة فرح” هي مجموعة قصصية تضمّ إسقاطات رمزية على الواقع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي الذي نعيشه في مجتمعنا واختيار شخصيات المجموعة مناسبة للبيئة التي نعيش من خلال الوصف الدقيق الذي عالج عبره الكاتب الكثير من المشكلات الاجتماعية في بيئته من خلال منظور أدبي جديد.
هويدا محمد مصطفى