فشل الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية
ريا خوري
عملت الولايات المتحدة الأمريكية بكل إمكانياتها خلال السنوات الماضية على إعادة أمريكا اللاتينية إلى حظيرتها، وازدادت هذه المحاولات اليوم بعد أن باتت الاتجاهات السياسية للعديد من تلك الدول يساريةً. وقد نجحت الولايات المتحدة في بعض الدول، وأخفقت في البعض الآخر، ففي البرازيل خرج الرئيس اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا من السلطة في انقلاب سياسي مركّب، وجيء بالرئيس المنتمي لأقصى اليمين، جايير بولسونارو، لكن الرئيس اليساري دا سيلفا، الذي خرج من السجن بريئاً من تهمة الفساد التي وجّهت إليه، قد يكون المنافس الأقوى في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وفي الإكوادور جيء بالرئيس اليميني جويلرمو لاسو بدلاً من لينين فولتير مورينو غارسيس. كذلك نجحت في تدبير انقلاب عسكري ضد الرئيس البوليفي اليساري خوان إيفو مورالس أيما، الذي استقال ولجأ إلى المكسيك، ثم عاد إلى بلاده بعد أن انتخب الشعب البوليفي خلال العام الماضي لويس ألبرتو آرسي كاتاكورا، معلناً عودة “الحركة نحو الاشتراكية” إلى السلطة الحاكمة.
في المقابل، فشلت الولايات المتحدة في المكسيك، حيث تمّ في شهر تموز الماضي، انتخاب أول رئيس اشتراكي في تاريخها الحديث بأغلبية ساحقة، هو ندريس مانويل لوبيس أوبرادور، خلفاً للرئيس اليميني انريكي بينيا نييتو. كما فشلت فشلاً ذريعاً في الإطاحة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو على الرغم من الحصار الاقتصادي الذي فرضته على فنزويلا. وفشلت أيضاً في الإطاحة بالنظام الكوبي الذي يتعرّض لأشد حصار اقتصادي وسياسي منذ ستينات القرن الماضي. ولعلّ آخر هزيمة سياسية للولايات المتحدة كانت في فوز المرشح اليساري بيدرو كاستييو برئاسة البيرو، بعد أن تمكّن من هزيمة منافسته اليمينية كيكو فوجيموري، ابنة الرئيس الأسبق البرتو فوجيموري المعتقل لمدة 25 عاماً بتهمة الفساد المالي والإداري والسياسي. الرئيس اليساري الجديد بيدرو كاستييو تعهّد بتأميم قطاعات النفط والغاز والتعدين التي تستثمرها شركات أمريكية ضخمة، كذلك وعد بتأمين مليون وظيفة جديدة خلال عام للعاملين في بلاده، وإذا ما نفذ وعده فإنه سيضع نفسه في مواجهة مباشرة مع الشركات الأمريكية، وبالتالي مع الإدارة الأمريكية التي تزيد من ضغوطها عليه يوماً بعد يوم.
إنَّ عودة القوى والتيارات اليسارية إلى أمريكا اللاتينية في المكسيك وبوليفيا والبيرو، وانضمام هذه الدول إلى كوبا وفنزويلا بمواقفها تجاه الولايات المتحدة، سوف يشجّع بلا شك شعوباً أخرى على خيارات غير يمينية، بعد أن أثبتت هذه الخيارات فشلها في تحقيق العدالة الاجتماعية التي تمكّن شعوب القارة الأمريكية من استعادة ثروات بلادها الهائلة والتي تعمل الولايات المتحدة على سرقتها ونهبها، والتخلّص من سياسات اقتصادية متخلفة وفاشلة لم تنتج إلا الفقر والجهل والفساد.