من يداوي “ملائكة الرحمة”؟!
قسيم دحدل
حمّل ممثّلو أكثر من 100 ألف من ملائكة الرحمة السوريين صحيفة “البعث” أمانة إيصال رسالتهم التي تنوء بمعاناة مزمنة، حيث لاتزال الجهات المعنية تتمنّع عن رفعها رغم أحقيتها ومنطقيتها، وضرورة إنهائها في ظل الظروف الصحية متنامية المخاطر، مفضّلة صمّ الآذان عنها؟!.
ولأننا (شخصياً)، كنا طوال ثلاث سنوات على احتكاك مباشر وشبه يومي مع عدد منهم في أكثر من مستشفى، وعايشنا يوميات العمل وتفاصيل متطلباته، وبالتالي مخاطره، حيث كانت “ملائكتهم” تحلّ في أحايين عدة محلّ الطبيب المعالج والمتابع للحالة المرضية، نجد أنفسنا أمام مسؤولية إيصال تلك المعاناة والمطالب.
العاملون في القطاع الصحي من ممرضين وخريجي معاهد صحية وطبية أطلقوا حملة بعنوان: “يكفينا صمتاً” للمطالبة بحقوقهم المهضومة، لعلّ وعسى أحدا يسمع مطالب كوادر هذا القطاع المظلوم مقارنة بمن يعمل معه، والتي تتجلى بداية بالتوصيف الوظيفي، وتحديد مهام وواجبات الممرض، كل حسب قسمه، حيث يعمل الكثير منهم فوق طاقته وبغير اختصاصه وتحت رحمة رؤساء الأقسام وغيرهم دون أية ضوابط لعملهم،
مطالب الكادر الصحي تتضمن أيضاً رفع طبيعة العمل، ومنح الحوافز والمكافآت لمستحقيها بنسبة 75% أسوة بأطباء التخدير والطوارئ والأسرّة والطب الشرعي والمعالجة والصيادلة وفنيي التخدير والمعالجة وغيرهم، إضافة إلى فتح مجال التقاعد للذين خدموا في قطاعات الوزارة 25 سنة، وتفعيل البطاقة الصحية للمتقاعدين، فالكثير من الأمراض المهنية وغير المهنية تظهر بعد تقاعد العامل فيُحرم من حقه في الرعاية الصحية، كما تشمل المطالب توظيف جميع الخريجين، وخاصة الأفرع غير الملتزمة، والذين لايزال العديد منهم ينتظر التوظيف منذ أكثر من 15 سنة، ونقل العاملين في القطاع إلى محافظاتهم بأكبر إمكانية، إضافة إلى تعديل وضع الدارسين بعد التوظيف، وإحداث نقابة فاعلة عبر تفعيل المرسوم رقم 38 لعام 2012، وانتخاب نقيب كفء للتمريض، وإقرار الأنظمة التي تحفظ حقوقهم، إذ إن المجلس المؤقت الذي أُحدث منذ عام ٢٠١٦ لم يقدم أي شيء، لأن هناك من يعرقل التعليمات التنفيذية لنقابة التمريض، سواء من المجلس المؤقت نفسه، أو من بعض الجهات الأخرى، وكذلك إقرار الوجبة الغذائية، لأنهم يقومون بأعمال خطرة ومجهدة، وخاصة بعد ظهور وباء كورونا.
المطالب أعلاه وغيرها أجمع على أحقيتها أكثر من 100 ألف ممرض وممرضة على مساحة سورية في القطاع العام والخاص، وهم يعملون على إيصال صوتهم للجهات المعنية التي همّشتهم لفترة طويلة من الزمن، بالرغم من معرفتها بأحقية هذه المطالب، ومع ذلك لم تتخذ أي إجراء حقيقي لإنصافهم، إنما تعمّدت تجاهلها مراراً وتكراراً؟!.
المفارقة أن مهنة التمريض لا يعتبرها القانون السوري من المهن الخطرة بالرغم من تعرّض العاملين بها بشكل مباشر للكثير من المخاطر، وخاصة الأمراض المعدية كالمنتقلة عبر الدم، وغير ذلك كالكورونا، وأيضاً تعرّضهم للأشعة، لتأتي المكافأة من المعنيين بإيقاف العمل بقانون الأعمال المجهدة رقم ٣٤٦ لعام 2006 الذي يشمل كل الكادر التمريضي في المستشفيات!.
أما المفارقة الأخرى فتتمثّل في أننا لغاية الآن لا نقدر قيمة وقوة العمل قدرها الصحيح بشكل عام، وأن تلك الكوادر كما غيرها في قطاعات أخرى لا يتم أخذ تكاليف إعدادها، وما تشكّله موازنات تعليمية وتدريبية وازنة، على مدار سنوات الدراسة والتعلّم، وبالتالي ليس مستغرباً إن لم تأخذ الجهات المعنية بالحسبان خسارة أي من تلك الكوادر، وأثر ذلك على المؤسسات العاملة فيها، وعلى الاقتصاد الوطني ككل، وعلى الجانب الاجتماعي والاقتصادي للأسر التي ترعاها الراعية!.
Qassim1965@gmail.com