بعد فشلها في حشد الشارع التونسي.. “النهضة” تراوغ وتدعو إلى “حوار وطني”
بعد فشلها الذريع في إثارة الشارع التونسي ضدّ قرار الرئيس قيس سعيّد، بدأت حركة النهضة الإخوانية تغيّر خطابها السياسي للمحافظة على ما تبقّى من ماء وجه لها في هذا الشارع، وخاصة بعد فشل “رابعة باردو”، في إشارة إلى محاولة أنصار حركة النهضة الاعتصام أمام مقر مجلس النواب.ففي مناورة جديدة لتجاوز المأزق الذي وجدت نفسها فيه بعد تجميد عمل البرلمان وحل الحكومة وفشل أنصارها في استعادة هيبتها، دعت النهضة إلى “حوار وطني لإخراج البلاد من الأزمة”.
ومع تسارع الأحداث على الساحة التونسية بعد قرار سعيّد، اضطرّ رئيس الحكومة هشام المشيشي إلى إعلان الانسحاب من المشهد دون تصعيد، حيث قرّر قبول اختيار الرئيس سعيّد خلفاً له لتولي منصب رئاسة الحكومة بعد حلّها وتجميد أعمال البرلمان ورفع الحصانة عن النواب في قرار يستجيب لدعوات الشارع المطالبة برحيل الطبقة السياسية. وقال المشيشي : إنه “لا يمكن أن يكون عنصراً معطلاً وإنه سيسلم المسؤولية لأي شخص يختاره رئيس البلاد وذلك في خطوة قد تخفف حدة الأزمة السياسية الكبيرة بالبلاد”، معلناً في بيان أنه مستعد لخدمة تونس من أي موقع.
وصدرت قرارات بمنع سفر كل من رؤساء الأندية الرياضية ورجال الأعمال وكبار المسؤولين والوزراء السابقين والنواب المجمّدين والولاة ورؤساء البلديات خلال هذه الفترة، ومنع التجمع وحظر تجول ليلي وتعليق العمل بالإدارات المركزية والمصالح الخارجية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية ليومين.
وكان للتأييد الشعبي اللافت لسعيّد ومواقف المجتمع الدولي الداعمة لمطالب الشارع، دور كبير في إرباك حركة النهضة التي اضطرت إلى اللجوء إلى فكرة “الحوار الوطني” لتجاوز المأزق الذي وقعت فيه، بعد أن رفضت التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيد، ووصفتها بالانقلاب على الدستور، داعية إلى استئناف أعمال البرلمان، وهو أمر رفضه أغلبية التونسيين الذين أعلنوا أن تأييدهم للرئيس أفضل ردّ على مزاعم “الانقلاب”.
غير أن جميع محاولات الإخوان وصف ما جرى مؤخراً بالانقلاب باءت بالفشل، حيث انتقد القيادي في حزب مشروع تونس محسن مرزوق حديث حركة النهضة عن “احترام الدستور”، لافتاً إلى المسؤولية الكاملة التي تتحمّلها “النهضة” فيما وصلت إليه البلاد من فساد الطبقة المسيطرة على الحكم وهي في أغلبيتها من الحركة.
وفي موازاة مساعي النهضة وأنصارها والأحزاب الرافضة لما أقدم عليه الرئيس سعيّد في اللعب بورقة الحريات والحقوق، سعى الرئيس التونسي إلى قطع الطرق على هذه المحاولة بلقائه أبرز المنظمات المحلية، وعلى رأسها اتحاد الشغل ذو التأثير القوي، كما التقى ممثلين عن المجتمع المدني، مؤكداً أنه يتعهد بحماية “المسار الديمقراطي والحقوق والحريات”. وقالت الرئاسة: إن التدابير الاستثنائية التي جرى إعلانها ستستمر مدة 30 يوماً.
وتعهّد الرئيس التونس بحماية “المسار الديمقراطي وحماية الحقوق والحريات”، وأبلغ المنظمات أن الإجراءات الاستثنائية مؤقتة بسبب تعمق الأزمة، وأن الحريات والحقوق لن تُمس بأي شكل.
وفي بيان دعت المنظمات، ومنها نقابتا الصحفيين والمحامين والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، الرئيس إلى وضع “خارطة طريق تشاركية” للخروج من الأزمة.
وخيّم الهدوء صباح اليوم على محيط مقر البرلمان والشوارع الرئيسية في العاصمة تونس، مع دخول القرارات المرتبطة بإعلان التدابير الاستثنائية في البلاد يومها الثاني، في انتظار أن يعيّن الرئيس سعيد رئيس حكومة وأعضاءها.
وجاء قرار الرئيس التونسي تجميد أعمال البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه والتوعّد بمحاسبة “الفاسدين”، بعد شهور من الجمود السياسي والنزاعات التي وضعته في مواجهة مع المشيشي والبرلمان المفتت، في وقت سقطت فيه تونس في أزمة اقتصادية فاقمتها جائحة كوفيد-19.
وفي السياق الحالي للوضع في تونس، سيتولى سعيّد إلى جانب الإشراف على السلطة التنفيذية وتعيين رئيس وزراء جديد، رئاسة النيابة العامة لضمان ملاحقة النواب والمسؤولين المتورطين في قضايا وجرائم بعد أن قرّر رفع الحصانة البرلمانية عنهم.
وهناك اتفاق مبدئي بين خبراء القانون الدستوري حول أحقية الرئيس في استخدام السلطة التقديرية التي يمنحها له الفصل 80 من الدستور لتقييم الظروف التي تستوجب اتخاذ التدابير الاستثنائية لتأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة، في ظل غياب المحكمة الدستورية منذ عام 2015، والتي عطلّتها النهضة نفسها.
وقالت سلسبيل القليبي أستاذة القانون الدستوري: “حسب القانون يتمتع الرئيس بسلطة تقديرية في تحديد الخطر الداهم، وفي غياب المحكمة الدستورية هو من يحتكر هذا التأويل”، ولكنها استدركت ذلك بقولها: “لكن من جهة ثانية يبرز مفهوم الإبقاء على الانعقاد الدائم للمجلس ومسألة إقالة الحكومة”.