سوشيال ميديا
د. نضال الصالح
في التعريف (Social Media) حسب معجم كامبردج: البرامج أو المواقع التي تُستخدم عبر شبكة الأنترنت من خلال أجهزة الكومبيوتر أو الهواتف الذكية للتواصل بين المستخدمين، وحسب الباحثة الأمريكية من أصل هندي “تريشا باروا” في كتابها: “فاعلية وسائل التواصل الاجتماعي” أن لهذه البرامج والمواقع تصنيفات عدة من أهمها مواقع الشبكات الاجتماعية، والمدوّنات، ومواقع إنشاء المحتوى، وأن ما يوحّد بينها جميعاً هو محتواها المجّاني، حيث يمكن لأي شخص إنشاء صفحة أو مدوّنة أو موقع أو… وينشر فيها ما يعتقد أنه المحتوى الأكثر دلالة على، أو الأكثر تعبيراً عن واحدة أو أكثر مما مثّل، ولما يزل يمثّل، القيم الأعلى في الحياة: الحق، والخير، والجمال.
ذلك في التعريف، أما في الواقع، فقد تجاوزت الـ “سوشيال ميديا” كونها وسائل رقمية للتواصل بين المستخدمين إلى كونها وسائل مهمّشة (بكسر الميم المشددة) للحقيقة ورافعة للزيف بآن، لاسيما ما يعني الثقافة، فتقدّم فيها ومن خلالها العليل على الصحيح، والمهزول على المكتنز، والباطل على الحق، والقبيح على الجميل، وسوى ذلك مما دل منذ نشأتها، ولما يزل يدل، على الإعلاء من شأن المشبّه على حساب المشبّه به، وإلى الحد الذي طبع هذه الوسائل معه بما يمكن استعارته من حقل اللغة بالأضداد، حيث اللفظ الواحد، حسب النحوي ابن الأنباري، يؤدي معنيين مختلفين، فلا يعرف المخاطَب أيهما أراد المخاطِب، وحيث هذه الوسيلة أو تلك من الـ “سوشيال ميديا” هي الشيء ونقيضه بآن من جهة، وتعني غير ما تعنيه في أصلها الذي نشأت منه ولأجله من جهة ثانية.
ومن بعض قرائن ذلك ما تصخب به هذه الوسائل من التصفيق المجاني لنص أدبي لا يملك من أسباب البقاء على قيد الذاكرة سوى هنيهة من الزمن، بل ما يكاد القارئ يبلغ نقطة النهاية منه حتى يشعر بأنه مر بأرض خراب لا أثر فيها لحياة، نص يتوهم صاحبه، كما يتوهم المصفقون له، نسبته إلى الأدب، وليس له من الأدب سوى همزة القطع من لفظه.
في الـ “سوشيال ميديا” كثير من الاختلاطات بالمعنى الطبي لمفرد الكلمة التي تعني في هذا المجال المضاعفة، أي النتيجة غير المرغوبة لمرض أو حال صحية أو علاج، وهو ما يتردد في عالم الـ “ميديا” بوصفه ظاهرة تزداد تورّماً يوماً بعد آخر، وتجهر بما كان ابن الرومي قال في دهره: كالبحر يرسب فيه لؤلؤه / سُفلاً وتعلو فوقه جيفه، وما كان المعري وصف حال عصره: وطاولت الأرضُ السماءَ سفاهةً / وفاخرتِ الشهبَ الحصى والجنادلُ.
فيها، ومن خلالها، صار معظم الناس أدباء وكتّاباً ونقاداً وسياسيين وعلماء و.. فاختلط الضد بالضد، وكان الجاهل نداً للعالم، والعييّ نظيراً للفصيح، والشويعر مرفوعاً إلى مقام أعلى من الشاعر، والنويقد محتفى به أكثر من الناقد، و.. وعلى نحو يصحّ وصف الراهن معه بما كان ابن الرومي قال، والمعري بما وصف، كل عن دهره.
وبعد، وقبل، فليس صحيحاً دائماً أن حبل الكذب قصير.