الصين والتحولات الاقتصادية العالمية
ريا خوري
مما لا شك فيه أن جمهورية الصين الشعبية باتت الدولة الأكثر قوةً والأكثر قدرةً على التنافس مع الولايات المتحدة الأمريكية من الناحية الاقتصادية. لقد سبقت جمهورية الصين الشعبية دول أوروبا الغربية في مجال النمو الاقتصادي بعقود طويلة، وحتى جمهورية ألمانيا الاتحادية واليابان، اللتين هزمتا في الحرب العالمية الثانية، نهضتا بسرعة، وباتتا قوتين اقتصاديتين عالميتين ضخمتين يُحسب لهما حساب في العالم، لكن الصين بما تملك من قدرات وإمكانيات سبقت جميع هذه الدول في مجال الصناعة الموجهة إلى الخارج.
والحديث عن جمهورية الصين الشعبية، في هذه المرحلة له أهمية قصوى، كونه يفتح بوابات الأمل على مصراعيها لصناعة تجارب مماثلة، لأن التجربة الصينية لها خصوصيتها، ولأن سرّ نجاحها يكمن في خصوصية وعبقرية تجربتها، فقد اقتحمت أسواق العالم بقوة دون أدنى ضجيج، حيث تمّ تقسيم أسواق العمل ضمن توازن القوى الاقتصادية العالمية، ولكن لم يكن نصيب الصين من الأسواق العالمية وافراً وفقاً لمجريات قسمة الأسواق بين المتنافسين الدوليين، فقد كان نصيبها بعد الحرب العالمية الثانية ضئيلاً جداً، على الرغم من ثقل الصين البشري، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي.
إن جملة التحديات التي تعاني منها الصين، وهي تتجه في مسارها قدماً نحو الأسواق العالمية، هي أن الاقتصاد الصيني يقع في مواجهة اقتصادات كبرى، وأن التنافس مع الكبار أجبرها على اكتساب سياسة الدخول إلى مواقع مهمّة في الأسواق العالمية. ولم تكن المهمّة يسيرة أبداً أن تتمكن من اكتساح ساحات البلدان النامية، بل وأسواق الدول الصناعية الكبرى، وبالذات في عقر دار الولايات المتحدة. وبحسب البيانات فقد بلغت صادرات الصين للولايات المتحدة ما يقرب من 25% من مجمل صادراتها الخارجية.
منذ عقود، تسعى الصين لتحقيق التفوق الاقتصادي، وهذا ما يظهر جلياً في الإعلام الذي يزخر بشتى البرامج والتحقيقات الدعائية التي تعلي من شأن الصناعة الصينية، ولا تكاد صحيفة صينية تخلو من ذكر هذا “الحلم الكبير”، أو ما بات يُعرّف بـ”جدران الأحلام”، حيث يتمّ تشجيع الطلاب على تدوين أحلامهم عليها وتصوراتهم لما يريدون للصين أن تصبح في المستقبل القريب والبعيد.
من المؤكد أن القيادة الصينية تدير دفة اقتصادها بقوة من خلال مسار السياسة الخارجية، وليس العكس. وبخلاف التنمية التي جرت في الاتحاد السوفييتي السابق، وبالذات في الفترة الستالينية، والتي كان اعتمادها وتركيزها الأول على الصناعات الثقيلة، باعتبارها أم الصناعات وأهمها، ركزت الصين في ثورتها الصناعية المعاصرة على الصناعات الاستهلاكية، والهدف منذ بداية ثورتها الاقتصادية كان موجهاً للخارج باعتماد المحاكاة ودراسة متطلبات الأسواق العالمية، ومراكمة الثروة الضخمة، تمهيداً لدخول مرحلة أعلى.
إن تجربة الاتحاد السوفييتي السابق في مجال الصناعات الثقيلة مثل صناعة الحديد والصلب الموجهة نحو الداخل فرض أسباباً سياسية أخرى تمّ تسميتها بسياسة “الستار الحديدي” والتي كان من نتيجتها عزل البلاد لأكثر من عشرين عاماً، كما كانت تلك السياسة سبباً إضافياً للحرب العالمية الثانية.