المصالح الشخصية وقطع صلة الوصل بين طرفي البحث العلمي يئدان الأخير..!.
البعث ــ لينا عدرة
لم يتمخض عن البحث العلمي تلك النتائج المفصلية والكفيلة بتقديم حلولٍ للكثير المشاكل الاقتصادية والخدمية على وجه التحديد رغم كل التوصيات والمقترحات المتمخضة عن العديد من المؤتمرات وورشات العمل والندوات العلمية على مدى العقود الماضية، والمطالبة بأهمية إيلاء الدعم للقائمين على البحث العلمي، باستثناء بعض الأبحاث الخجولة هنا وهناك، لتكمن المشكلة الحقيقية من وجهة نظر البعض بأن طيفاً واسعاً من أصحاب القرار يرى في البحث العلمي ترفاً فكرياً خاصة في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها البلاد، ويعتبره البعض الآخر رفاهية، بحجة أن هناك أولويات وحاجات ملحة يتوجب علينا التركيز عليها في هذه المرحلة…!.
ويؤكد عدد من الباحثين ممن شاركوا في “مؤتمر الباحثين السوريين المغتربين 2021” الأخير، وجود الكثير من العقبات التي تعترض تطور البحث العلمي في سورية، ويتصدرها حسب ما أكده الدكتور أمير إبراهيم من المعهد العالي للبحوث البحرية في جامعة تشرين، غياب “القناة”، أو “صلة الوصل” ما بين الطرفين “الطرف الذي أعد البحث والطرف الذي سترسل له النتائج”، مستشهداً ببحث أجراه المعهد تحت عنوان (استعادة النظم البيئية المُهدَدة والمُخرَبة على امتداد الساحل السوري) والذي احتاج وسيطاً بين المعهد وبين الجهة المعنية من أجل التشبيك بين الباحثين الذين أنجزوا البحث وبين الجهات المسؤولة عن التطبيق لشرح الواقع الراهن للمشكلة وآلية تطبيقها على الأرض، لتتولى الهيئة العليا للبحث العلمي الوساطة، مشيراً إلى أنه في حال أرسل المعهد النتائج ورقياً كالسابق لن يكون هناك مُستَقبِل لهذه النتائج، لأن هذا المُستَقبِل لا يعي ماهية المشكلة، وبالتالي فإن أي بحث سيبقى من دون جدوى فعلية، وبمعنى أوضح سيبقى حبراً على ورق”..!.
وحول عنوان المؤتمر وحققة الفرق بين الباحث في الوطن والباحث في الاغتراب، أعاد الدكتور إبراهيم التذكير بأن الباحث باحث أينما وُجِد، ولكن يبقى تحقيق هدف المؤتمر بإقامة جسور تشبيك بين الباحثين في الوطن والمغترب للاستفادة من العقول والخبرات السورية المقيمة خارج البلاد، وتطبيق هذه الخبرات لإعادة تأهيل النظم البيئية، والتشبيك بين الطرفين، مؤكداً أن هناك حلقة مفقودة بين المراكز البحثية التي تدرس الواقع الراهن وتنبه للمشكلة وبين الجهات الأخرى التي تُرسل لها نتائج الأبحاث، رغم أنها حلقة مفقودة في مواقع وحاضرة في مواقع أخرى، على حد تعبيره.
أحد الحضور ممن التقيناهم، وهو باحث وأستاذ جامعي متقاعد، رأى أن البحث العلمي بشكلٍ عام يسير بخطوات بطيئة جداً لعدة أسباب وعوامل، على رأسها التدخل الحكومي أو الخاص، مُحمِلاً الطرفين مسؤولية التقصير، مؤكداً أن سبب قلة الباحثين يعود لشبه انعدام تطبيق البحث العلمي ميدانياً، حتى أن تجربته الشخصية كباحث اقتصادي غير مُشجعة، إذ أنجز أبحاثاً في الاقتصاد الزراعي منذ السبعينيات، ومنها بحث بالتشارك مع هيئة الأمم المتحدة ومنظمة الإيكارد، مع خبراء محليين وأجانب بإشراف وزارتي الزراعة والتعليم العالي، غير أنه تم حفظه في الأدراج لأن نتائجه تنعكس سلباً على مصالح بعض المكلفين بإدارة مؤسسات وزارة الزراعة في تلك الفترة، وقد تضمن البحث دراسة ميدانية وعملية تتعلق بالاقتصاد الزراعي وتبحث بالإنتاج الحيواني في سورية وتحسين الثروة الحيوانية، محذراً من أنه إذا استمرينا بالعمل بنفس العقيلة والذهنية الروتينية، ولم نغير في هيكلية عملنا في المؤسسات فإن مشكلة الفساد ستتفاقم، ولن يكون بمقدورنا حتى مجرد التفكير بالبحث العلمي..!.
الدكتورة سامية شيبان، من المعهد العالي لبحوث البيئة، رأت أن أهمية المؤتمر تنبع من تعريف الباحثين السوريين المقيمين بمحاور بحثية وتجهيزات وطرق عمل مختلفة قليلاً عما هو موجود لدينا، مؤكدة أن الوجع الحقيقي الذي يعاني منه الباحث السوري هو أن من يدير البحث العلمي نفسه يضعه في مراحل متأخرة لوجود أولويات كتأمين رغيف الخبز، ما يضع الباحث في حالةٍ من الضياع لعدم معرفته إمكانية تطبيق بحثه خاصة من الناحية المادية، إضافة إلى الآثار الكارثية التي سببتها الحرب، والتي أدت إلى إيقاف عشرات الأبحاث، على الرغم من إمكانية تطبيق معظم الأفكار التي تم عرضها على مدار الأيام الثلاثة في المؤتمر.