الولايات المتحدة من دبلوماسية البوارج والعقوبات إلى “المعجنات والبسكويت”!
شنّت الولايات المتحدة، والغرب الاستعماري، خلال السنوات الماضية حملة عدوانية ممنهجة ضد البلدان المستقلة التي لا تسير في ركابها، والتي ترفض أن تكون جزءاً من منظومتها، عبر إثارة أزمات داخلية، ودعمها خارجياً، وتصويرها عبر وسائل الإعلام الغربية كأنها “ثورات”، واستخدمت خلالها سياسات متنوّعة، من البوارج الحربية والتدخل العسكري المباشر، إلى العقوبات غير الشرعية، ودعم الإرهاب العابر للقارات، مثل ماحدث ضد سورية وإيران وليبيا واليمن، وما زالت تداعيات تلك “الثورات” ماثلة أمام العيان، وجرّبت في العقود الأخيرة أسلوباً آخر لتصدير “الثورات الملونة”، يمكن تسميته بـ”دبلوماسية البسكويت”، مثلما حدث في أوكرانيا، والتي حوّلت هذه الدولة من بلد مزدهر الاقتصاد إلى أطلال، وتجرّبه اليوم في بيلاروس، والهدف الوحيد دائماً الإطاحة بالدول الوطنية، وتصوير ذلك، في وسائل الإعلام، كظاهرة احتجاج عفوي، فإذا فشلت فالانتقال إلى الحل العسكري، ودعم الإرهاب، كما حدث في سورية وليبيا.
وتحت شعار نشر الديمقراطية في العديد من الدول، دعمت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، “الربيع العربي” و”الثورات الملوّنة”، بشتى الأدوات والأساليب، ففي كانون الأول من عام 2013 في العاصمة الأوكرانية كييف، حملت فيكتوريا نولاند مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكي، إبان عهد الرئيس باراك أوباما، كيساً بلاستيكياً مليئاً بالمعجنات والبسكويت وتوجّهت إلى ميدان الاستقلال، حيث يحتشد المحتجون المعارضون للرئيس الأوكراني الشرعي والمنتخب من قبل شعبه حينها فيكتور يانوكوفيتش، وراحت توزّع ما في جعبتها على المشاركين، ولم تنس أيضاً رجال الأمن، الأمر الذي أثمر على الانقلاب على الرئيس الشرعي، وتسبب بمآس لا يمكن إصلاحها، مع مقتل الآلاف من المدنيين. ويبدو أن تلك السياسة لا تزال سياسة أمريكية متبعة، ووصلت اليوم إلى بيلاروس.، حيث ذهبت سفيتلانا تيخانوفسكايا، المرشّحة السابقة في انتخابات بيلاروس إلى البيت الأبيض، واستقبلها الرئيس جو بايدن. ووصفت اللقاء بأنه قصير جداً، لكنه دافئ، ولم يخلو من بسكويت، حيث روت أن بايدن بنفسه تقدّم منها بعد انتهاء اللقاء وأعطاها “بسكويت” من البيت الأبيض!، والهدف تشكيل حزام من عدم الاستقرار حول روسيا، لأن واشنطن لا تعيش إلا على هاجس احتمال عودة روسيا بشكل فاعل إلى الساحة الدولية؛ ما يهدّد، حسب الرؤية الأمريكية، سيطرة القطب الواحد، الذي تمارسه واشنطن على العالم، والعودة إلى عالم متعدّد الأقطاب وأكثر عدلاً.
وتعليقاً على الحادثة، شبهت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا “البسكويت” الذي أهداه الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المرشحة الرئاسية السابقة في بيلاروس، بملفات “cookie” التي تتيح الوصول وإدارة بيانات المستخدم على الإنترنت، وهي نفس الكلمة التي تعني بالإنجليزية أيضاً بسكويت.
وكتبت زاخاروفا على حسابها في تيليغرام قائلة بهذا الشأن: “هذا اقتباس مباشر لها. كلمة بكلمة. يبدو أن الواقع لا يمكن أن يكون رائعا جداً. ولكن لا، ذلك ممكن”. وقالت في لهجة منتقدة: “تيخانوفسكايا تقف أمام الصحفي وبسعادة غامرة، هكذا تماماً، تروي كيف لها (وهي التي تدعو إلى فرض عقوبات على وطنها) بعنوان دعوتها، يهدى إليها البسكويت.
وتستشهد زاخاروفا بقصة للأطفال عن “ولد شقي” أعطوه برميلاً كاملاً من المربى، وسلة كاملة من البسكويت. يجلس الولد الشقي يلتهم ويحس بالسرور”، وعلقت بعد الاقتباس قائلة: “تحضر قراءة أكثر معاصرة للقصة”. وخلصت إلى أن “هذا البسكويت ذاته، الذي يطلب منكم الموقع السماح بقبوله. وظيفته مصادقة المستخدم، تخزين تفضيلاته الشخصية والإعدادات، وتتبع حالة جلسة الوصول إلى المستخدم. البسكويت، طريق إلى أهم بيانات الزبون وإدارتها”.
ولا شك أن تيخانوفسكايا نسيت أو تناست، والأمر سيان، أن واشنطن تستخدم كافة الأساليب القذرة لاختراق القلاع المحصّنة والدخول إليها لتقويض بنيانها، وفي الغالب بأيدي أبنائها، ولا تتورّع عن فعل أي شيء للتدخل في شؤون الدول التي لا تتوافق مع سياساتها، وتغيير أنظمتها، بأساليب عدة تبدأ بالقوة الناعمة، مثل المشاريع الثقافية والمنظمات غير الحكومية والتضليل الإعلامي والنفسي والعقوبات الاقتصادية، إلى إشعال الحروب بالوكالة، والعدوان العسكري المباشر، وهدفها الوحيد والأوحد توسيع نطاق النفوذ والسيطرة على مقدرات الشعوب وثرواتها ومصادرة قرارها المستقل. وذلك ما حدث في جميع الدول تقريباً، التي مرّت بها ما يعرف بـ “الثورات الملونة”، ناهيك عن النسخة العربية الأكثر دموية وتدميراً، والتي لسخرية القدر تلصق بها صفة “الربيع”، رغم أنها لم تكن إلا “خريف الدمار”، فهي لم تجلب إلا الحروب والفوضى لدول منطقة الشرق الأوسط، وخلّفت دماراً نفسياً وجسدياً لدى أغلبية شعوب هذه الدول، لا يكمن محوها إلا بعشرات السنوات، وعزّزت خطر التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، “داعش” والنصرة”، وتسببت بتهجير ملايين المواطنين من مناطقهم، وتحوّلهم إلى لاجئين أو مهجرين.