صحيفة البعثمحليات

رومانسية توطين الرغيف..!

لعمري أن “توطين الرغيف” يبدو أشبه ببدعة أو ربما اختراع سوري غير مسبوق يستحق عليه منظّرو وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك براءة اختراع!!.
ربما الحرب ومفرزاتها أوصلتنا لتلك الحلول “الطوباوية”، وربما أيضاً -وهو ما نميل إليه- عجز السلطات التموينية الواضح عن ضبط الفوضى والتلاعب والمتاجرة التي تتقاذف هذه “النعمة” التي ظلّت لعقود طويلة -خطاً أحمر- تصنيعاً وإنتاجاً وتوزيعاً ووزناً وجودة وسعراً، وصولاً للتوطين.. توطين الرغيف!!.
من الممكن أن نفهم توطين الراتب أو الحساب البنكي لمن لديه أرصدة وحسابات لتسهيل عمليات التسديد والتحويلات المصرفية التي تحتاجها الأعمال التجارية والصناعية أو الادخار، لكن أن يصل التوطين إلى ربطة الخبز؟!!.
نعلم حجم الضغوط والمعاناة والصعوبات التي تتعرّض لها لقمة الخبز من استلاب، والخسائر التي تتكبدها المؤسسات والأفراد جراء سرقة محاصيل أقماحنا وأقطاننا وشعيرنا التي تنتجها حقولنا، ولاسيما في خزان سورية الزراعي في الجزيرة السورية المنهكة اليوم بالاحتلالات الأمريكية والتركية والعصابات القسدية المجرمة. فبعد أن كنّا نصدّر القمح تراجع إنتاجنا القمحي بعد الحرب إلى البحث عن أسواق تبيعنا قمحاً!!، تارة عبر الخط الائتماني وأخرى بالتبادل السلعي والمقايضة، أو بانتظار هبات الأصدقاء والحلفاء أو بالشراء المباشر أحياناً.
ورغم الحماس الذي أبدته وزارة الزراعة لموسم قمح وفير وشعار “عام القمح” إلا أننا لم نتمكّن من تحقيق ربع ما كنا نحلم ونروّج له، كما أننا لم نتمكن من شراء ربع الكميات من المزارعين لأسباب عديدة لسنا بواردها الآن!.
لكن مهما كانت الظروف التي وصلنا إليها، فلا نجد مبرراً للتخبّط الذي يحكم عملية إيصال ربطة الخبز وفق معادلة (رغيف ناضج+ وزن محقق+ التزام بالسعر)، والتي كان آخرها تأجيل موعد الانطلاق بالتوطين رغم تأكيد وزير التجارة من محافظة حماة أن محافظات حماة وطرطوس واللاذقية باتت جاهزة.
ونعتقد أن المسوغات التي تساق تحت عناوين منع الهدر والاتجار بالدقيق والخبز العلفي وإيصال الدعم لمستحقيه ليست مبرراً أبداً للتجريب بلقمة خبز المواطن، وكان حرياً اللجوء إلى التركيز على ملاحقة العابثين والمتاجرين وضرب عروشهم بدل الدخول في متاهة تسبّبت بزيادة أفواج الطوابير والأعباء والضغوط على الناس.
ولعلّ ترك خيار شراء الخبز بين المعتمد والفرن للمواطن عبر البطاقة الذكية سيخفّف الكثير من الاحتقان والامتعاض. ويبدو أن الإسراع بإنجاز ملفات أتمتة العمل الجمركي والضريبي والفوترة والرقمنة أمر على غاية من الأهمية وأكثر ذي جدوى.. أما أتمتة وتوطين بيع الخبز ففيه ما فيه من الرومانسية التي ليست في محلها ولا في مكانها ولا في وقتها.

وائل علي
Alfenek1961@yahoo.com