تأنيث العقل الذكوري
غالية خوجة
ما زالت مفاهيم الاختلاف بين الذكورة والأنوثة لا تدرك أنها مجرد اختلافات خَلْقية فيزيولوجية، وأن الإنسان هو إنسان مهما اختلف جنسه، لأن ما يميز الإنسان هو أخلاقه وعقله ومدى فاعلية روحه الواعية ومنفعتها الإيجابية لذاتها والمجتمع والحياة والوطن.
أوليس الإنسان المذكر والإنسان المؤنث هو إنسان كامل كما أكدت ذلك الكتب السماوية وتشريعاتها، لأن الله خلق “الإنسان في أحسن تقويم”؟
إذن، لماذا التعامل المجتمعي والقانون الوضعي ينحاز للإنسان المذكر والعقل الذكوري سواء كان حامله مذكراً أو مؤنثاً؟ هل لأن البنية العقلية اعتادت على تقديس الذكورة على حساب العدالة الإلهية والإنسانية؟ أم لأن التوراة المزيفة أحكمت عقول الغالبية وتحكمت بها ودست السمّ بالدسم؟
ماذا لو تأمل العقل الذكوري ذاته، يوماً، بحيادية وموضوعية؟ وماذا لو اكتشف بشفافية أن هذا العقل وطريقة تفكيره تظلم ذاتها والكثير من مخلوقات الله المؤنثة، كما تظلم الطفولةَ وأجيال المستقبل، والمجتمع بكافة فئاته ومكوناته، والحياةَ القادمة، والوطن؟
لو تساءل العقل الذكوري وتأمل قليلاً، لنفض عنه الأوهام والشوائب المظلمة، واستأصل أنفاقه المعتمة، وشرع في افتتاح طرائق أخرى للتفكير بوجوده والحياة والآخرين بمنهجية أكثر تناغماً مع الحياة، وجعلها أجمل وأكثر تفاعلاً وإيجابية واستدامة، وصنع السعادة، وبنى مجتمعاً هاجسه التطور والتطوير والابتكار في كافة مجالات الحياة من أجل الهدف الأعلى وأعني بناء الوطن بتسارعية تسابق الزمن.
ولنصل إلى هذا التألق الأخلاقي المتناغم، لا بد من إعادة القراءة العميقة لاستبصار النصوص ومكنوناتها وأسرارها ومساربها وكيفية التحايل عليها من أجل الذكورة فقط، لاسيما القوانين التشريعية الوضعية التي عليها أن تحكم علاقات الأسرة وأفرادها وحقوقهم وواجباتهم على أساس أصيل ووحيد هو “بناء” الإنسان، لا “تفكيك” الإنسان والأسرة وتدمير المجتمع والوطن، لأن قوانيننا لو كانت إنسانية لما آل المجتمع والوطن إلى ما آل إليه من تخريب وتفكك وتدمير؟
أوليس لهذا التفكك ومسبباته وقوانينه بمفهومها وعقلها الذكوري، نتائج سلبية تدوم آثارها بعيداً وعميقاً وطويلاً في النفس والروح والقلب على الصعيد الإنساني الفردي والأسري والاجتماعي معا؟
أوليست الإنسانية تلمّ شملنا وعائلتنا الصغيرة، وعائلتنا الكبيرة “المجتمع”، وعائلتنا الأكبر “الوطن”؟ ألا ترون معي ضرورة أن تكون القوانين الوضعية أكثر إنسانية، لتكون أرقى وأكثر حضارية وملاءمة واقعية، لنضمن، بثقة، الأبعاد المستقبلية للفرد والمجتمع والوطن؟
لذلك، لابد أن نسارع إلى سلطة الوعي الأخلاقي والإنساني القانوني العادل وبالقانون، لأهميته وحيويته في إنصاف الأفراد والناس والمجتمع والوطن، لأن أهم ما تحتاجه القوانين إجرائياً وتطبيقياً وفقهياً ودلالياً هو العدالة الإنسانية، ولتحقيقها، لا بد من تحويل القوانين إلى قوانين حياتية إنسانية لا تقبل التلاعب بها من خلال ثغراتها لمصلحة الذكورة، بل لابد أن تُسن القوانين عموماً، وقوانين الأسرة خصوصاً، بما يتناسب مع مصلحة الوطن بما فيها التماسك الأسري والاجتماعي.
ولضرورة الحفاظ على إنسانية المرأة والطفل والأسرة والمجتمع، أقترح في حالة الفراق بكافة أشكاله وتوصيفاته القانونية ألاّ ترمى المرأة في الشارع، أو تعود إلى بيت أهلها أو أولادها المتزوجين أو أخواتها وأخوتها، بل أن نصون كرامتها ووجودها الإنساني من خلال حلول عديدة، منها توزيع الممتلكات المنقولة وغير المنقولة مناصفة بين الزوجين المتفرقين، وأن يكون لها بيت خاص، وفي حال كانت أمّاً يظل الأولاد في كنفها “فرددناه إلى أمه”، كي لا يكونوا ضحية العداءات والانتقامات المتبادلة بين الطرفين، وكي لا يصابوا بأمراض نفسية وجسدية كونهم مستقبل المجتمع والوطن.
فما رأيكم أن نغيّر القوانين باتجاه العدالة الإنسانية في الأسرة والعمل والحياة لنحقق التوازن النفسي والمادي والاجتماعي والوطني خصوصاً في مرحلة إعادة البناء الإنساني والعمراني و”الأمل بالعمل”؟