النهضة بين “فكي كماشة”.. شارع تونسي غاضب وقاعدتها تتهاوى
تجد حركة النهضة الإخونجية نفسها اليوم محشورة في الزاوية بين شارع غاضب يعتبرها سبب غرق البلاد، وأنصار طالبوا بحل المكتب التنفيذي للحزب لفشل خياراته بتلبية حاجات التونسيين، مطالبين راشد الغنوشي بتغليب مصلحة تونس.
وفي بيان تحت عنوان “تصحيح المسار” قال 130 شاباً، ومن بينهم عدد من النواب، إن “تونس تمر بمنعطف تاريخي أفضى إلى اتخاذ رئيس الجمهورية إجراءات استثنائية، قوبلت بترحيب شعبي، كما أثارت تحفظ جزء من النخبة السياسية والقانونية”. وأضاف البيان أن “هذه الوضعية الحرجة، والتي لا يخفى على أحد منا أن حزبنا كان عنصراً أساسياً فيها، تضعنا أمام حتمية المرور إلى خيارات موجعة لا مفر منها، سواء كان ذلك من منطلق تحمّل المسؤولية وتجنب أخطاء الماضي، أو استجابة للضغط الشعبي”، وطالب الحركة بأن تتفاعل إيجابياً مع أي مبادرة سياسية تخرج البلاد من أزمتها الخانقة، تحت سقف القانون والمؤسسات الدستورية.
وخلال السنوات الماضية خسرت “النهضة” الكثير من رصيدها ومن أوراقها ومن داعميها، ولذلك قام الرئيس التونسي بإقالة رئيس الحكومة، وجمّد عمل مجلس النواب الشعب، متسلحاً بشارع حمّل حركة النهضة، التي شاركت في جميع الائتلافات الحكومية منذ عام 2011 وتحظى بأكبر تمثيل في البرلمان، مسؤولية الأزمات في البلاد.
ولا شكّ أن القرارات الأخيرة للرئيس، الذي جمع كل السلطات بيده، أدخلت هذا البلد الصغير، الواقع في شمال إفريقيا، في مرحلة جديدة لا يعلم التونسيون أين ستقودهم، لكن أغلبيتهم يؤيدونها ويدعمونها طالما “ليست هناك نهضة في الحكم”، وطالما ستنهي الفوضى التي تسبب فيها الإسلامويون، القادمون من السجون ومن الخارج، على مدى أكثر من عشر سنوات لم يحققوا خلالها سوى مصلحتهم.
ووفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة إمرود كونسلتينج في الفترة بين 26 و28 الشهر الجاري حول موقف التونسيين من قرارات قيس سعيد، والذي شمل 900 شخص ينتمون إلى 24 ولاية، بما فيها المدن والأرياف، أيد 87 % من التونسيين قرارات الرئيس، ورفضها 3 %.
“فاسدون” و”منافقون” و”كذابون”.. بهذه العبارات يصف غالبية التونسيين “النهضة”، التي يعتبرونها المسؤول الرئيسي عن ويلات البلاد في مواجهة أزمة ثلاثية سياسية واجتماعية وصحية.
وهذا الغضب الشعبي المنفجر ضد النهضة جعلها تخسر الكثير من رصيدها، ومن قاعدتها الشعبية، حيث فشلت الحركة في التعبئة وحشد أنصارها في الشارع رداً على الاحتجاجات المضادة التي شهدتها البلاد يوم 25 حزيران الماضي.
وعلى إثر هذا الفشل، حاولت النهضة إعادة ترتيب أوراقها، ودعت إلى “حوار وطني” وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة للخروج من الأزمة، لكن لا يبدو أن التونسيين مستعدين لأن يسمعوا شيئاً منها، وبشكل خاص من رئيسها راشد الغنوشي، الذي أحدثت مواقفه شرخاً كبيراً في جسد الحركة.
ويؤكد مراقبون أن تظاهرة الاثنين تظهر “فشل النهضة في حشد قاعدتها” و”فشلها في تشكيل قوة موازية في مواجهة الرئيس”، ويضيفون: “كانت النهضة دائماً على استعداد لتقديم تنازلات لأن الحزب مهووس ببقائه”.
وعلى مدى عقد في السلطة، لم تنجح الحركة مطلقاً في الحصول على الأغلبية المطلقة، الأمر الذي اضطرها إلى عقد تحالفات غير عادية مع أحزاب ليبرالية في برلمان يعاني من التشرذم. وهذا يربك العديد من ناخبيها.
بين 2011 و2019، خسرت الحركة أكثر من مليون صوت، خاصة بعد الانتخابات الأخيرة التي دفعتها نتيجتها إلى التحالف مع حزب قلب تونس، الذي سبق وأن اتهمته الحركة بالفساد، وتعهّد الغنوشي بتجّنب التقارب بينهما.
في شوارع المدينة، يعبر إسماعيل مازيغ عن إحباطه. خلال الانتخابات في تونس عام 2011، أعطى عامل النسيج السابق صوته للحركة، لكن الرجل الأربعيني، العاطل عن العمل منذ عشر سنوات، يقول بحسرة: “لقد قطعوا الكثير والكثير من الوعود، ولكنها كانت في الحقيقة أكاذيب.. عملوا من أجل مصالحهم الشخصية فقط، لا شيء أكثر من ذلك”.
وبعد أن كانت النهضة موحّدة حول متزعمها راشد الغنوشي، تعاني الحركة من انقسام داخلي في الوقت الحاضر مع استقالة عدد من كوادرها وتبادل أعضائها الانتقادات على الملأ. كما تعرّضت الحركة لضربة أخرى الأربعاء بالإعلان عن فتح تحقيق بالفساد يستهدفها بناء على شبهات بتلقي تمويل أجنبي لحملتها الانتخابية عام 2019.
يأتي ذلك فيما فرضت قوات الأمن الإقامة الجبرية على قاض ظل موضع انتقادات حقوقية منذ سنوات بسبب “إخفاء” ملفات مرتبطة بالإرهاب، ومنها اغتيال سياسيين معارضين لنفوذ الإسلامويين في تونس.
ويأتي وضع بشير العكرمي رهن الإقامة الجبرية بعد أن تعهد الرئيس قيس سعيد بأن يقود حملة دون هوادة لمكافحة الفساد المستشري في كل القطاعات.
وفرضت قوات الأمن التونسية الإقامة الجبرية لمدة 40 يوما على العكرمي القريب من حركة النهضة، والذي أحيل الى النيابة العامة قبل أسبوعين على خلفية شبهات بالتستر على ملفات متعلقة بالإرهاب.
ويقول محامون ونشطاء في تونس إن العكرمي تستر على ملفات مهمة من بينها اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي في 2013 مما فجر آنذاك احتجاجات عارمة انتهت بالإطاحة بالحكومة. كما يتهمونه بأنه على علاقة بحركة النهضة وبأنه ينسق مع قياداتها في إدارة هذه الملفات. إلى جانب الاتهامات الحقوقية للنهضة بالتورط في اغتيال المعارضين لهيمنتها على الحكم.
وشهدت تونس موجة من الاغتيالات السياسية خلال ما كان يسمى “حكم الترويكا” الذي تحالف خلاله حزب النهضة مع الرئيس الأسبق منصف المرزوقي.