الكيان الإرهابي وعاملَي: التاريخ والجغرافيا
د. عبد اللطيف عمران
يمضي أردوغان مستغلاً يافطة (حزب) العدالة والتنمية في سياساته الإرهابية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية في إطار إيديولوجي صارم، بما لا يُغتفر معه للدول والشعوب المتأذيّة منه الاستهانة بخطره المستند إلى استغلال عاملي التاريخ والجغرافيا.
يستلزم بيان هذا الكلام وتأكيده مستندات علميّة ما قبل سياسيّة، منها: 1- الوثائقيّة 2- الموضوعيّة 3- البعد عن الأحقاد، ولعل المستند الرابع والأهم هو رهاننا السابق وإدراكنا: إن الأتراك شعب صديق وجار قريب، فيهم قوى اجتماعية وسياسية حيّة ترفض بالجملة والمطلق سياسة أردوغان وإيدلوجيّته، وتدرك مخاطرها على الشعب التركي وعلى شعوب العالم، وهي تبذل جهوداً واضحة وقويةّ لمناهضته.
نظام أردوغان (أفلح) بتحويل الدولة التركية إلى كيان إرهابي يغذّي القتل والدمار المادي والمعنوي في هذه المنطقة الواسعة (قلب العالم) ضد شعوب المنطقة، ولا يزال يطمح ليكون له أصبع نار متفجرة (ديناميت) في كل دولة من دولها بغطرسة وقبح ووحشية أيضاً. والتاريخ المعاصر طافح بالوثائق الشاهدة والمؤكدة، فلا داع للإطالة.
مَن مِن العرب لا يعرف أن المشروع القومي العربي ولِدَ وتطوّر في معمعان مناهضته لاستبداد الدولة العثمانية، وها هو هذا المشروع اليوم يئنّ تحت ضربات نظام أردوغان الموجعة له في كل قطر عربي، (فالعثمانية الجديدة) خطر داهم على العروبية والوطنية، ويشعر القوميون العرب وكثير من المجتمعات العربية، والحكومات أيضاً أنها رديف أخطر من التحالف الصهيوأمريكي، بل أن هذا التحالف يوكل إليها أخبث الأهداف والخطط والاستراتيجيات نظراً إلى قدرتها على العزف على وتَري الدين (المذهبيّة) والقومية (الإثنيّة).
هذان الوتران- وللأسف يتميّز نظام أردوغان بقدرته على استغلالهما سلبياً نتيجة عوامل يتسع الحديث عنها في التاريخ والجغرافيا والدين والعرق، وكذلك في البحث في أوجه الفرق والشبه بين السلاجقة والأتراك والعثمانيين، وبين الترك (المدن) والتركمان (الأرياف)، والأهم بين تدريس التاريخ العثماني ومثاقفته المضطربة في المؤسسات الأكاديمية والإعلامية الوطنية والعربية، إذ يستمر التباين في تسميته: الفتح العثماني للوطن العربي -أو الاحتلال.. -أو الاستعمار… ونحن درسنا ولا نزال ندرّس (الفتح) وليس الاحتلال أو الاستعمار، في وقت يستغلّ فيه أردوغان وجود التركمان كأغلبيّة -ويقال التُرك والمسألة فيها أقوال -في تركستان وكازاخستان وأوزبكستان وأذربيجان وقيرغيزستان، وكأقليّة في الصين وأفغانستان وبعض البلدان العربية.
وإذا كانت الوثائق التاريخيّة والجغرافيّة – لا السياسية والايديولوجية- تبيّن أبعاد المعنى الأمريكي لنشأة الكيان الإرهابي الصهيوني بتشابه عوامل النشأة والتكوين (استيطاني- إحلالي- إبادي- فتنوي- إرهابي)، فإن نظام أردوغان يعي هذه الأبعاد تماماً ويطمح بل يعمل على توطيد حضورها اعتقاداً منه بأنه سيكون التجلي الثالث للكيان الإرهابي في المنطقة والعالم من حيث النشأة والوظيفة.
إنها وثائق ووقائع، وليست أحقاداً رغم ما اقترفه نظام أردوغان ضد شعبنا وأمتنا اليوم، وما اقترفه أسلافه في الماضي، هذا النظام يعمل على زرع إيديولوجية في المجتمع والمؤسسات التركية تحضّر لمعركة (مرج دابق) قادمة وقد يثمر زرعه هنا وهناك، وقد لا يثمر، لكن علينا أن نعي أنّ منظّر حزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو والمناهض اليوم لأردوغان رأى في كتابه – من بعض ما رأى – أن هناك عاملين أساسيين لقوة الدولة: ثابت ومتغير، فآخر عامل ثابت للقوة التركية كان (استعادة) لواء اسكندرون، أما المتغير فهو (العمق الاستراتيجي- التوجه جنوباً)، إذن ، نحن حقاً أمام عثمانية جديدة حاملها التاريخ والجغرافيا، تستفيد من الدين والقومية، فيها نظرية ((إيديولوجية عثمانية)) وممارسة (إرهاب)، ولا شك في أن تركيا لا يمكن أن تكون أوروبية ولا أطلسية وإنما دولة وظيفية خطرة في الحلف الأطلسي، وعلى العروبيين إدراك ذلك ومواجهته، فالعثمانية هي ايديولوجية وليست عرقاً لأن تركيا في التاريخ والجغرافيا هي تراكم خليط في جسد لا يخلو عبر تاريخه من ورم سرطاني خبيث يعتز ويقتات على مجدين: فتح القسطنطينية 1453م، ومعركة مرج دابق 1516.
وها هو اليوم وجه أردوغان البغيض يلقى صفعات متتالية في أقطار عربية وفي دول عديدة أخرى، وعلى البعدين البغيضين في التاريخ والجغرافيا اللذين ينفخ فيهما أردوغان النار على السوريين والعرب وغيرهم، ما يجعل أحلام من ينشد حرية أو حقاً من أردوغان سراباً … لأنه لن يجد هذا: (عند عثماني دمّر أجداده منطقة بأكملها حضارياً، وأخلاقياً، فطهّروا عرقياً وميّزوا إثنياً، ويحاولون حاضراً تكرار تاريخهم الأسود بنسخة أكثر سواداً وقبحاً)، وهذا ما بيّنه الرئيس الأسد بالأمس في خطاب القسم، وهو ما يجب استلهامه ليكون عاصماً لمشروعنا الوطني والقومي.