أفغانستان.. العقدة الأمريكية
سمر سامي السمارة
بدأ التدخل الأمريكي في أفغانستان في أواخر سبعينيات القرن الماضي بشكل سريّ، عندما عملت إدارة الرئيس السابق جيمي كارتر على تقويض الحكومة ذات التوجّه الاشتراكي والتي كانت متحالفة مع اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية آنذاك، وفي مطلع ثمانينيات القرن الماضي، صعّدت إدارة الرئيس ريغان من التدخل في الشؤون الأفغانية من خلال التدريب والتمويل وتوفير الغطاء الدبلوماسي للمعارضة المسلحة في البلاد، الأمر الذي مكّن المسلحين من تأسيس تنظيم “القاعدة”. وهنا لابد من الإشارة، إلى أن هذه القوى نفسها التي تسمّيها واشنطن اليوم “إرهابية” كانت في الواقع نتيجة ثانوية للإمبريالية.
في تشرين الأول 2001، انضمت العديد من دول الناتو الأخرى إلى الولايات المتحدة في احتلالها لأفغانستان، حيث نشرت ألمانيا وفرنسا وكندا وبريطانيا من بين دول أخرى قواتها في أفغانستان كجزء من العملية العسكرية التي يقودها البنتاغون، لكنها تكبّدت خسائر فادحة في الحرب ضد الأفغان الذين يقاتلون لإنهاء وجود القوات الأجنبية. فبعد مضي 20 عاماً على غزو أفغانستان، تشير الإحصاءات الرسمية التي قدّمتها الحكومة الأمريكية إلى مقتل نحو 2300 جندي أمريكي في أفغانستان، وإصابة 30 ألفاً تقريباً، ومع ذلك، لا تأخذ هذه الأرقام في الاعتبار عدد الأشخاص الذين قضوا فيما بعد متأثرين بجراحهم أو غيرهم ممن لقوا حتفهم بسبب الأمراض النفسية الناجمة عن الخدمة في حرب إمبريالية غير عادلة.
وبحسب إحدى الدراسات، لقي أكثر من 71000 مدني أفغاني وباكستاني حتفهم كنتيجة مباشرة للحرب، كما أدى تخفيف الجيش الأمريكي في عام 2017 من قواعد الاشتباك الخاصة المتعلقة بالضربات الجوية في أفغانستان، إلى زيادة هائلة في عدد الضحايا المدنيين. كما قامت وكالة الاستخبارات المركزية بتسليح وتمويل الجماعات الأفغانية المسلحة المتورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وقتل المدنيين، وتلوّثت الأراضي الأفغانية بالقذائف غير المنفجرة التي تقتل وتصيب عشرات الآلاف من الأفغان، وخاصة الأطفال، أثناء تنقلاتهم اليومية.
كما أدّت الحرب إلى تفاقم آثار الفقر، وسوء التغذية، وتردي المرافق الصحية وتعذّر الحصول على الرعاية الصحية. ونتيجة لذلك، فإن هذا الانسحاب المعلن، بغضّ النظر عن أفراد الجيش والاستخبارات الذين سيبقون في أفغانستان لحماية السفارة الأمريكية ومطار كابول ومواصلة تدريب قوات الأمن المحلية التي نصبتها واشنطن، دمرت البلاد بسبب هذه الحرب الإمبريالية.
أما العراق – المسرح الآخر للقوات الأمريكية – فلم يكن أقل تضرراً من الغزو الأمريكي لأفغانستان. ومنذ عام 1990، عانى الشعب العراقي بشكل كبير بسبب العقوبات الصارمة التي فرضتها الأمم المتحدة برعاية واشنطن. وبحلول عام 2003، غزت إدارة الرئيس دبليو بوش العراق، ومنذ ذلك الحين، لا تزال القوات الأمريكية موجودة هناك، والتي أوجدت تنظيم “داعش” -النسخة المعدلة من القاعدة- لزعزعة استقرار سورية والعراق معاً.
وأمام هذه المعطيات، لا بد من الاعتراف أن تكلفة الحروب الخارجية ارتفعت بشكل مخيف، وارتفع بالتوازي منسوب التدهور الاقتصادي لمعظم الأمريكيين داخل الولايات المتحدة في خط تصاعدي منذ الفترة التي أعقبت انتهاء احتلال فيتنام وجنوب شرق آسيا في عام 1975، إذ أدّى تدهور البنية التحتية داخل المناطق الحضرية والضواحي إلى هجرة سكان المدن، وما رافقه من اضطهاد للطبقة العاملة الذين باتوا ضحايا نظام العدالة الجنائية.