أقـل مـا يـقـال.. مسؤولية اجتماعية
“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي
لم يجد صغار الباعة المتجولين، سواء أصحاب البسطات المتواضعة المخصصة لبيع البسكويت والحلوى وغيرها من أطعمة الأطفال، أو زملاؤهم الذين يتوغلون بين المارة ليعرضوا عليهم ما في جعبتهم من العلكة وعلب المحارم، مناصا يخلصهم من ضنك عيشهم سوى اللجوء إلى أعمال متواضعة جدا من ناحية المردود، لكنها بنفس الوقت شريفة وتقيهم شر مدِ أياديهم طلبا للمساعدة، أو امتهان أعمال تلفظهم خارج دائرة الأخلاق والقيم الاجتماعية الحميدة، انطلاقا من قناعتهم بضرورة الحفاظ على سمات طالما تحلوا بها من العفاف والكبرياء والكرامة.
غالب الظن أن ما يجنيه هؤلاء جراء عمل يوم ممل وشاق لا يصل بهم حد الكفاف، إذ كم ستكون نسبة أرباح سلع من قبيل علبة بطاريات لا يتجاوز سعرها للمستهلك الـ 1000 ليرة، أو ولاعة بسعر 500، أو حتى سبحة بـ 1500 ليرة.. هذا في حال تم بيع كل ما يملكون، لكن الأرجح أن زبائنهم المستهدفين ليسو سوى متصدقين عليهم وما يبتاعونه منهم لا يوازي أجر تنقلاتهم اليومية.. وبالتالي، فإن معاناتهم تكبر شيئا فشيئا ككرة الثلج المتدحرجة كون مخرجاتهم المتواضعة لا تتوازى مع مدخلاتهم الأكثر تواضعاً. وخشية أن تصطدم هذه الكرة بسد منيع يحولها إلى قطع متناثرة تؤذيهم وتؤذي من حولهم، لا بد من كبح جماح حركتها والحد من تضخمها، حتى لا يكون مصيرهم مصير غيرهم ممن ضاق صدرهم وانفجروا ككرة الثلج بعد اصطدامهم بواقع أودى بهم إلى غياهب لا تحمد عقباها، وصلت ببعضهم إلى حد المتاجرة بأعضاء أطفالهم عبر إجبارهم على الإدعاء بعاهات مزمنة من قبيل قطع الساق أو الشلل أو غير ذلك من مظاهر استدرار العطف الإنساني لدى المارة وتأجيجه ليجودوا بما تسخوا به نفوسهم.
ناهيكم عن استغلال أمثال هؤلاء من قبل ضعاف النفوس من أصحاب المخازن التجارية ليوردوا لهم ما ثقلت به مخازنهم من منتجات وسلع شارفت صلاحيتها على الانتهاء، مغررين بهم لشرائها بأسعار تقل عن التكلفة لينافسوا بها نظيراتها في الأسواق، ولو على حساب صحة المستهلك.
المسؤولية هنا جماعية… لحماية ومساعدة من يستحق المساعدة .. ومسؤولية القطاع الخاص لا تقل شأنا عن مسؤولية نظيره العام، وعليه أن يأخذ دوره المراهن عليه من قبل الحكومة في التنمية الاجتماعية عبر توفير فرص العمل والحد من البطالة وإعانة من يستحق الإعانة.
مع إقرارنا وتقديرنا لبعض الفعاليات الاقتصادية الخاصة التي تتكفل بمساعدة العديد من الأسر المحتاجة، إلا أن على كل من القطاعين العام والخاص والجمعيات الأهلية وخاصة الخيرية منها البحث عن هؤلاء الباعة المتسولين – إن صح التعبير – ليس لتقديم معونة مالية لهم، وإنما لتأهيلهم وإمدادهم برأس مال – ولو بالحدود الدنيا – يساعدهم على النهوض بعملهم المتواضع، وتخصيص مكان مناسب يمارسون فيه نشاطهم التجاري المحدود، حتى لا يقعوا بين براثين ومكائد من يتربص بهم من المستغلين.