متى يكون القلق الامتحاني مشروعاً؟
“البعث الأسبوعية” ــ الدكتورة ريما عبد الله زكريا
يسيطر على أغلب الأسر عند بداية الامتحانات الضغط النفسي والقلق، مع إعلان حالة الاستنفار المنزلي وذلك بقطع العلاقات الاجتماعية وحصار الطالب من كافة النواحي، لتزداد مشاعر الخوف والقلق والتوتر عند الطالب من اجتياز الاختبار النهائي الذي يشكل حصاد ما زرعه منذ بداية العام الدراسي؛ و”ما يزيد الطين بلة” أن الطالب لا يجد نفسه أمام الضغط المرتبط بالتحصيل العلمي فقط، بل هناك ضغوط أخرى يفرضها الأهل كالمنافسة مع الأقارب وضرورة تحقيق أعلى الدرجات إرضاء لـ “البرستيبج” الاجتماعي.
قلق مشروع
وتؤكد الخبيرة التربوية علا سلمان أن القلق مهما كان نوعه يجب ألا يتحول إلى ضغط يوثر على نفسية الطالب، وينعكس سلباً على أدائه الامتحاني، فالتركيز والنوم الكافي والتحضير الجيد مع بذل الجهد أمور مهمة جداً لخوض الامتحان والحصول على النتيجة المرجوة، مشيرة إلى أن القلق والضغط النفسي يغدو مشروعاً لأنها مرحلة حرجة في حياة الطلاب تحدد مسيرتهم العملية ومستقبلهم المهني، لافتة إلى أهمية التركيز على الاستقرار النفسي والهدوء والمحافظة على الاتزان العقلي لأن لا فائدة من أية ردود سلبية أثناء خوض الامتحان، فالامتحان هو حصاد لما زرع الطالب من الجد والاجتهاد، والتركيز وتنظيم الوقت والاهتمام. وبالتالي لا مبرر للمبالغة في القلق الامتحاني أو بالضغوط النفسية التي يعيشها الطالب أثناء الامتحان لأنها تأتي بنتائج عكسية، وقد تسبب له الانهيار أو الفشل.
أعراض نفسية
وتعتبر الاختصاصية النفسية سلام قاسم أن القلق الامتحاني حالة توتر شامل وحالة نفسية انفعالية مؤقتة يمر بها الطالب نتيجة توقع تهديد فعلي أو رمزي قد يحدث، أو الخوف من الرسوب ومن ردود فعل الأهل، أو ضعف ثقته بنفسه ورغبته في التفوق على الآخرين، مشيرة إلى أن القلق قد يكون ظاهرة سلبية لاسيما أن حالة الرهبة والخوف من الامتحانات تزداد عند الطلبة في حالات عدم الدراسة والتحضير للامتحان بشكل كافٍ، وعدم فهم المادة كلياً أو جزئياً، مؤكدة أن الضغط النفسي الذي يسببه أولياء الطلبة لأبنائهم يكون له النصيب الأكبر من التوتر الامتحاني، كتوبيخ الطالب أو الضغط عليه بضرورة النجاح في الامتحان وإلا سيجازى أو يعاقب، ومقارنة الطالب بزميل له، أو بقريب متفوق عليه؛ ما يؤدي إلى إحباطه وإعاقة تقدّمه، لافتة إلى أن أهم أسباب القلق والضغط النفسي عند الطالب هو فرض الأهل تخصصا معينا على الطالب، دون الاهتمام بميوله ورغباته.
دروس إرهاق
وتدخل الدروس الخصوصية المكثفة على خط إرهاق الطالب، خاصة أنها قبل موعد الامتحان بساعات قليلة، مما يسبب حالة تشتت ونسيان لدى الطالب. ويوضح أحد المدرسين الاختصاصين ألا فائدة من هذه الدروس قبل الامتحان بساعات، وأن معظم الطلاب الذين يطلبون الدروس الخاصة قبيل الامتحان يبحثون عن التوقعات وأوهام التسريب، معتبراً أن الطالب الذي تابع مع مدرسه عاماً كاملاً، ونظم وقته، لن يحتاج إليها، ومن أضرارها تشتيت الطالب وزعزعة دراسة عام كامل.
مضيعة للوقت
ورأت الخبيرة سلمان أن مدرس المادة الاختصاصي يملك الخبرة العالية في مادته، ولا ضرر من تقديم الإرشادات للطلاب حول دقة الإجابة العلمية والخط الواضح وكيفية ملء الفراغات أو التعامل مع أسئلة الخيارات، أو دقة الإجابة في الأسئلة الموضوعية، أو كيفية التركيز في دراسة المادة العلمية، في حين أكدت الاختصاصية قاسم أن الدروس الخصوصية خلال فترة الامتحان تدفع بالطالب إلى التوتر، ووزعزعة الثقة بمعلوماته التي درسها خلال فترة التحضير للامتحان.
أنواع قلق الامتحان
وحول أنواع قلق الامتحان، والإجراءات التي يجب اتباعها من قبل الطالب والأهل والمدرسة؛ حدثتنا رئيس دائرة البحوث في مديرية تربية دمشق الاختصاصية النفسية إلهام محمد قائلة: لقلق الامتحان نوعان، أحدهما إيجابي يلعب دور الدافعية لمزيد من الدراسة والإنجاز وهو ما نسميه “القلق الميسر للعملية التعليمية”، والثاني سلبي يعوق أداء الطالب ويخفض تحصيله، وهذا ينشأ من إدراك الطالب لمواقف الامتحان على أنها مواقف تهديدية لشخصيته تؤثر على التركيز المطلوب، بسبب سيطرة أفكار لاعقلانية لديه مثل: “أخشى أن أنسى المعلومات أثناء الامتحان”، و”الامتحانات شيء مرعب ومخيف”، و”مهما درست فإنني لن أنجح”!! موضحة أن أسباب هذا القلق يعود إلى التوقعات المبالغ فيها من الأسرة ومن الطالب، وغالباً ما تكون غير متناسبة مع قدرات وإمكانات الطالب، وعدم تنظيم الوقت من قِبل الطالب منذ بداية العام الدراسي.
إرشادات مسبقة
أما استراتيجيات التعامل مع قلق الامتحان؛ فقد توجهت الاختصاصية محمد بمجموعة من الإرشادات للأبناء أهمها أخذ قسط كاف من النوم، وقراءة الأسئلة والتعليمات بدقة، وعند مواجهة سؤال صعب الانتقال إلى آخر، وعدم القلق إذا سلم الآخرون أوراقهم، والاستغلال الكامل للوقت الامتحاني، وتحديد الوقت الذي يحتاجه كل سؤال، وعدم قراءة الأسئلة دفعة واحدة، مشددة على دور الأهل، ووجوب فصل مشاعرهم عن مشاعر أبنائهم، والاحتفاظ بمشاعرهم لأنفسهم، والإيمان بأن لكل طفل قدراته وإمكاناته، والابتعاد عن المقارنة والتوقعات العالية، والسعي لتبسيط الأمور لأبنائهم، وتقديم الدعم والتشجيع لهم، والحديث معهم عن مشاعرهم وتحديدها والتعامل معها بإيجابية، مع تقدير جهودهم المبذولة مهما كانت النتائج، لافتة إلى دور الإرشاد في المدرسة من خلال تدريب الأبناء على الحديث الذاتي الإيجابي.. مثال: أنا قادر – أنا نتائجي جيدة في الأعوام السابقة، وهذا يساعد على التخلص من الأفكار اللاعقلانية، ويساعد على تنظيم الوقت ووضع برامج دراسية مناسبة لظروف الطلاب، فضلاً عن تدريبهم على تقنيات الاسترخاء، والتواصل مع الأسر والتوعية بأهمية الدعم والتشجيع لأبنائهم، ووضع برامج إرشادية للحالات الفردية.
إجراءات وتدريب أطر
ولأن تأمين الصحة النفسية والجسدية للأبناء التلاميذ من أولويات وزارة التربية، أوضحت مديرة الصحة المدرسية في الوزارة، الدكتورة هتون الطواشي، أن أغلب الطلاب يمرون بوقت عصيب خلال الامتحانات؛ حيث يعانون مما يسمى “قلق الامتحان”. وعلى الرغم من أن القليل من القلق قد يكون إيجابياً، ويدفع إلى المزيد من الدراسة والتركيز، إلا أنه يصبح عائقاً أمام الأداء الفعال في الامتحان عندما يكون شديداً لدرجة هنا لابد من التدخل المناسب. ولفتت إلى أنه مع نهاية الدورة الامتحانية الأولى لهذا العام، تم تسجيل ٤٤٥ حالة إسعاف في المحافظات كافة بسبب القلق الامتحاني، منها ١١٨ حالة في شهادة التعليم الأساسي و٣٢٧ حالة في الشهادة الثانوية؛ وكانت جميع الحالات تعاني من شكاوى جسدية من منشأ نفسي، مثل الصداع والرجفان والتشنج العضلي والآلام البطنية والإقياءات، وفي بعض الحالات نوب فرط تهوية وتكزز، وأحياناً تصل إلى الإغماء التام، وتم التعامل مع هذه الحالات من قبل الفرق الطبية العاملة في الامتحانات بتقديم الدعم النفسي والتهدئة وتمارين الاسترخاء بهدف دعم هؤلاء الطلاب وإعادتهم إلى جو الامتحان.
وأشارت الطواشي إلى أن حالات القلق الامتحاني سجلت نسب أعلى عند الطلاب ذوي الإعاقات، ولاسيما الإعاقات الذهنية، مثل مرضى تناذر داون، ومرضى التوحد، وفرط النشاط الحركي والتأخر العقلي، والذين يتقدمون إلى امتحاناتهم عادة في المراكز الصحية، والتي يتواجد فيها بشكل دائم فريق طبي مدرب على الدعم النفسي، مبينة أن الوزارة تعد حالياً بحثاً عن القلق الامتحاني.
وأكدت الطواشي أن مديرية الصحة المدرسية بدأت، منذ شهر آذار الفائت، بتدريب أطرها، من أطباء ومساعدات صحية، على مهارات الـــــدعـــم النفسي الأساسية، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، حيث تم تدريب ٢٣٠ طبيب صحة مدرسية على برنامج رأب الفجوة بالصحة النفسية و١٠٢٥ مساعدة ومثقفة صحية على برنامج الإسعاف النفسي الأولي، ليكونوا على أهبة الاستعداد لمواجهة القلق الامتحاني لدى أبنائنا خلال فترة الامتحانات لشهادتي التعليم الأساسي والثانوية.