كيلا يتحول تل “الربّة كونكورديا” إلى قائمة الإهمال بحجة الآثار
طرطوس- لؤي تفاحة
قصة لا تنتهي حلقاتها هو الحديث عن موقع أو منطقة يتم حفرها ويكتشف حولها أو ضمنها معلم أثري أو بقايا أثرية، فسرعان ما يتم وضع الإشارة على صحيفته العقارية ويشمّع القائمون على أعمال الحفر خيوطهم تاركين خلفهم كل الدراسات والتخطيط لأجل غير مسمى، وليتحول هذا المعلم إلى نقمة ليس فقط على الجهة المالكة وإنما أيضاً على مديرية الآثار، حيث رفوف الإهمال والتقصير.
وقصتنا تتعلق بمساحة تقدر بأكثر من 5000 م2 بالقرب من موقع الكراج الجديد الذي تم استثماره منذ عدة سنوات مع اكتشاف تل أثري، ولم تكتمل الحفريات بعد لحين وضع تصور نهائي وتحديد ما إذا كانت هذه المساحة محرمة لوجود آثار فيها أم محررة، وبالتالي استكمال تجهيزها واستثمارها بشكل مناسب سيما وأنها تقع في منطقة تجارية وتحقق ريوعاً، مجلس المدينة بأمس الحاجة لها.
دائرة الآثار
وبحسب المهندس مروان حسن، مدير دائرة آثار طرطوس، فإن معبد كونكورديا هو عبارة عن تل أثري موجود شمال شرق موقع الكراج الجديد، يرتفع حوالي ثمانية أمتار عن سطح البحر، ويتوسط عدة مواقع أثرية هامة منها تل الغمقة (أوهيدرا القديمة) الذي يبعد عنه حوالي 500 م باتجاه الغرب، وخربة اللبنة التي تبعد حوالي 3 كم جنوباً، وقد أجريت عمليات تنقيب خلال المواسم 2001 – 2010، حيث تركزت هذه الأعمال ضمن التل، وتم الكشف من خلالها عن الجدار الجنوبي والغربي للهيكل المركزي (السيلا) مع بعض الأرضيات من الحجارة الرطبة، ومع متابعة كشف الجهة الشمالية تم الكشف عن أجزاء جدران، لكنها غير عميقة لظهور الصخور الطبيعية على عمق قليل، كما تم العثور نتيجة هذه التنقيبات على لقى هامة جداً منها تمثال من البرونز يمثل الربة كونكورديا، ربة الخصب والعطاء وحامية المحاصيل، بالإضافة إلى جزء من تمثال من الحجر البازلتي لامرأة يمثل جذع الجسم، وغيرها من المكتشفات الهامة, وتقوم دائرة الآثار بتنظيف الموقع بشكل سنوي من الأعشاب، كما تعمل الدائرة حالياً على تأمين الاعتمادات المالية اللازمة لاستكمال أعمال التنقيب والتنظيف، لأن الموقع بحاجة ماسة ومستمرة للقيام بهذه الأعمال، ولكن عدم توفر الإمكانيات المادية أدى لتوقف الأعمال مؤقتاً.
توضيح
وأوضح المهندس مظهر حسن، مدير مدينة طرطوس، لـ “البعث” أن المدينة جاهزة لتقديم ما تحتاجه دائرة الآثار من أعمال وعمال وآليات وفق الإمكانيات المتاحة للعمل تحت إشراف الدائرة لتنظيف هذه المساحة بعد تحريرها من وجود مكتشفات أثرية بغية تجميلها وتخديمها بما يعود بالمصلحة العامة والمنظر العام وكذلك بما يحافظ على تاريخنا الأثري وما يحتويه من كنوز بالتنسيق والتعاون مع الجهات المعنية، بحيث يتم الاستفادة من وجود مثل هذه المواقع سياحياً واستثمارياً، وكذلك خدمياً، كون المنطقة تشهد حركة تجارية نشطة، بالإضافة لكونها تشكل بوابة للقادمين والمغادرين للمدينة، لافتاً إلى أن مثل هذا التعاون يعزز من الحالة التشاركية بين المؤسسات والجهات العامة، بما يشكل حالة غير مسبوقة بين مديرية الآثار وبقية الجهات المعنية.
بكل الأحوال لا نأتي بأي جديد عن مشكلة التمويل لاستكمال أعمال التنقيب رغم ما يرصد لها، ولكنها غير كافية على الإطلاق، وذلك نظراً لجملة من الاعتبارات ومنها غنى الجغرافيا السورية والساحلية على وجه الخصوص بهذه الكنوز وأهمية المحافظة عليها ومنع التعدي عليها أو سرقتها، ومع ذلك يجب ألا يغيب عن ذهن القائمين بأن للمنطقة خصوصية خدمية هامة يجب أخذها بعين الاعتبار، بحيث لا تترك لعقود بحجة التمويل وعدم استكمال أعمال التنقيب وغيرها سيما في ظل تشاركية تعرضها مدينة طرطوس حرصاً منها على كل هذه المبررات المشار إليها.