دراساتصحيفة البعث

مجازر باسم التكنولوجيا

في عالم مفتون بالتقنيات المتقدمة والأزرار والشاشات والعمليات المحوسبة، يخفي التقدم التكنولوجي المجازر الشنيعة التي ارتكبت بحق الشعوب، فقد أدت حوسبة آلة الحرب الأمريكية إلى تحول صادم للحروب الأمريكية في مطلع القرن إلى ألعاب فيديو.
وفي مذكراته “أرض الميعاد”، يتفاخر أوباما بهذه المجازر التي ارتكبتها قواته باسم “الحروب الإنسانية”، حيث كانت “وكالة الأمن القومي”، و”السي آي ايه” أكثر منظمات جمع المعلومات الاستخباراتية الالكترونية تطوراً في العالم، لقد بات نشر خطاب التكنولوجيا العمود الفقري التقني لأيديولوجية التفوق الغربي الذي يمكّن الأشخاص “المتحضرين” والمتقدمين تقنياً من ممارسة العنف الجسدي المميت أحياناً ضد أدنى أشكال الحياة البشرية.
هذه الأيديولوجية المتعصبة هي نفسها التي تبرر جرائم الكيان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة على أساس أنه سيكون “الديمقراطية الوحيدة” في الشرق الأوسط، كما لو أن الشعوب التي لا تعيش في ظل النموذج الديمقراطي الليبرالي الغربي لا تستحق العيش.
ومع ذلك، فإن التقدم التكنولوجي الذي تم إحرازه خارج النادي الحصري للقوى الغربية لا يؤهل للحصول على بطاقة عضوية للمجتمع “المتحضر تقنياً”، بل يشكّل سبباً للقلق، فقط لأنه ينتشر خارج نادي القوى الغربية، وانطلاقاً من هذا الحجم من القيم، تخضع كل من إيران وكوريا الديمقراطية، بسبب التقدم الذي أحرزتاه، لعقوبات نووية أمريكية، وتقدمهما لا يُعامل على أنه تقدم تكنولوجي، بل يعتبر بنظر هذا الغرب سبباً كبيراً للقلق، لأنه بكل بساطة يعتبر أن هذه التكنولوجيا تنتهي في أيد غير جديرة بالثقة، وغير موثوقة، ومن المؤكد أنها ستسيء استخدامه، بالمقابل لا أحد في الغرب يشعر بالقلق من البرنامج النووي العسكري للدولة الوحيدة التي استخدمت الأسلحة الذرية ضد المدنيين، الولايات المتحدة.
إن الإيديولوجية التي تحتفظ بالتقنيات المتقدمة والقوة النارية للقوى العظمى الغربية تواجه اتهامات وتشكيكاً مستمراً من قبل الجهات الفاعلة غير الغربية التي تطالب بهذه التقنيات، سواء كانت قوى عظمى أخرى مثل الصين، أو دولاً قوية مثل إيران وكوريا الديمقراطية.

هيفاء علي