في ذكرى هيروشيما وناغازاكي.. ألاعيب الأسلحة النووية
د. معن منيف سليمان
يعدّ الأمريكيون، الذين يدعون إلى الحرية والسلام بين الشعوب، أول من استخدم القنبلة الذرية في قتل المدنيين الأبرياء، وذلك عندما قامت الولايات المتحدة بإسقاط قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان في أواخر أيام الحرب، حيث أوقعت الهجمة النووية على اليابان أكثر من 140 ألف شخص معظمهم من المدنيين، كما أدّت إلى مقتل ما يزيد عن ضعفي هذا الرقم في السنوات اللاحقة نتيجة التسمّم الإشعاعي أو ما يعرف بـ”متلازمة الإشعاع الحادة”، وقد انتقدت الكثير من الدول الهجوم النووي على هيروشيما وناغازاكي، إلا أن الولايات المتحدة زعمت أنها أفضل طريقة لتجنب أعداد أكبر من القتلى إن استمرت الحرب العالمية الثانية مدّة أطول.
في وقت قصفها، لم تكن هيروشيما مدينة ذات قيمة صناعية أو عسكرية كبيرة، لكنها كانت مركز اتصالات، ومركزاً لتجميع المعدات والجنود. كانت المدينة أيضاً إحدى عدّة مدن يابانية لم تتعرض للقصف الجوي الأمريكي المكثف، وبالتالي كانت هدفاً مثالياً لقياس مستوى التدمير الذي يمكن أن تسبّبه القنبلة.
كان وسط المدينة يحتوي مجموعة من المباني الخرسانية القويّة، ومجموعة أخرى من المباني الخفيفة، أما أطراف المدينة فعبارة عن مجموعة مكدسّة من البيوت الخشبيّة الصغيرة، كان التعداد الأصلي للمدينة 388 ألفاً من السكان، انخفض في أثناء الحرب إلى 255 ألفاً نتيجة لعمليات الإجلاء التي قامت بها الحكومة اليابانية.
في السادس من شهر آب عام 1945 انطلقت الطائرة B-29 Enola Gayبقيادة الكولونيل “بول تيبيتس”، وصاحبَته في الرحلة طائرتان، إحداهما تحمل أجهزة تسجيل ومسح جغرافي، وأخرى للتصوير. في الثامنة والربع صباحاً، وهو موعد كان فيه سكان المدينة في طريقهم إلى أعمالهم، تم إلقاء القنبلة المسماة “الولد الصغير” على مركز المدينة، انفجرت القنبلة على ارتفاع نحو 600 متر فوق المدينة، وقد أدّت إلى الموت الفوري لنحو ثمانين ألف إنسان.
في تلك اللحظة انقطعت كل أنواع اتصالات القيادة اليابانية مع هيروشيما، ولم يكن هناك من وسيلة لمعرفة ما حدث سوى بإرسال طائرة لاستطلاع الأمر. كان كل تصوّر القيادة أن هناك مشكلة ما في الاتصالات. بعد ثلاث ساعات من الطيران، وهو مازال على بُعد 160 كيلومتراً من هيروشيما، رأى الطيار سحابة هائلة من الدخان الأسود هي البقايا المحترقة للمدينة.. هبط الطيار جنوبي المدينة التي لم يرَ منها سوى ما يشبه جرحاً كبيراً في الأرض يتصاعد منه الدخان الأسود. لم يعرف أحد في طوكيو حقيقة ما حدث في هيروشيما سوى من إعلان البيت الأبيض للأمر بعد 16 ساعة من الحدث.
بنهاية عام 1945، كان 60 ألف شخص آخرون قد ماتوا من التسمم الإشعاعي، ليصبح عدد الذين ماتوا من جراء انفجار القنبلة المسماة “الولد الصغير” عام 1945، وحده نحو 140 ألف شخص. في السنوات الآتية مات عدة عشرات من الآلاف بتأثير أمراض مرتبطة بالإشعاع. وبحسب دراسة أجرتها المدينة في شهر آب عام 2004، قدّر عدد الذين ماتوا بتأثير القنبلة بنحو 237 ألف شخص، بالإضافة إلى 270 ألف شخص تضرروا منها ومازالوا أحياء حتى اليوم.
أما ناغازاكي فقد كانت واحدة من أكبر موانئ الجزء الجنوبي من اليابان، وكانت معظم مباني المدينة تتكون من المنازل الخشبية اليابانية التقليدية ذات الأسقف المائلة، لم تكن اليابان قد أعلنت استسلامها دون قيد أو شرط كما طلبت الولايات المتحدة بعد هيروشيما، فرأى الأمريكيون أنها تستحق قنبلة أخرى!
وفي 9 آب عام 1945، انطلقت الطائرة B-29 Super fortress Bock’s Car بقيادة الميجور “تشارلز سويني” حاملة القنبلة المسماة “الرجل السمين”. كان من المفروض أن تلقى القنبلة على كوكورا، إلا أن الجو الملبّد بالغيوم دفع بالطيار إلى الاتجاه إلى الهدف الاحتياطي ناغازاكي في نحو الحادية عشرة ودقيقتين صباحاً تم إلقاء القنبلة “الرجل السمين” على ناغازاكي. انفجرت القنبلة على ارتفاع 469 متراً في الجو بالقرب من مصنع ميتسوبيشي. أدت القنبلة إلى الوفاة الفورية لـ75 ألف شخص من سكان المدينة البالغ عددهم 240 ألفاً، تبعهم 75 ألف شخص آخرون من الإصابات والأمراض التي نجمت عن القنبلة.
كان وزن القنبلة الأولى 4.5 طن وأحدثت دماراً قدّر بـ 90 بالمئة من مباني المدينة، بالإضافة إلى قوة تدميرية حرارية تعادل تدمير 20 طناً من الديناميت وامتد اللهب في دائرة قطرها 3 أميال، وتم تدمير كل ما يقع على مدار ميلين من مركز التفجير.
حتى الآن لا يوجد سبب منطقي واحد لقيام الأمريكيين باستخدام قنبلتين نوويتين خاصة أن الإمبراطورية اليابانية بالفعل تحتضر، لكن السبب الذي تم إعلانه وقتها أن المقاتل الياباني مقاتل عنيد ولا يرضخ بسهولة لذا كان لابدّ من إرسال رسالة قوية لليابانيين لإجبارهم على الاستسلام، وهو ما حاول الأمريكيون على مدار 62 عاماً مرّت منذ إلقاء القنبلة على تغييره محاولين ربط حادثة “بيرل هاربور” بالقنبلتين وهو عذر غير مقنع ومرفوض لأن الهجوم على “بيرل هاربور” كان فى عام 1941، أما التصريح باستخدام الطاقة النووية ضدّ اليابانيين فكان في عام 1945، تحديداً في 25 تموز 1945، بواسطة الرئيس الأمريكي “هاري ترومان”.
ولكن إذا فرضنا جدلاً أن أمريكا قامت باستخدام السلاح النووي للرد على هجوم “بيرل هاربور”، فإن اليابان عندما هاجمت الولايات المتحدة الأمريكية قامت بضرب عسكريين، وهو أمر مشروع في قوانين الحروب عندما يجري استهداف مصدر قوة العدو، ولكن أن يُردّ على ضربة عسكرية بضربة نووية وتستهدف مدنيين ذلك لا يدل إلا على نزعة إجرامية مبنية على فكرة القتل والإبادة الجماعية التي تتسم بها الثقافة الأمريكية منذ أن أقاموا دولتهم على جماجم أهلها من الهنود الحمر السكان الأصليين الذين فتكوا بهم وأبادوهم. والمفارقة العجيبة أن أمريكا حتى هذا الوقت تشنّ الحروب وتحطم دول وتقتل وتشرّد السكان من أجل 3000 أمريكي قتلوا في تفجيرات مركز التجارة العالمي.
إن السبب الحقيقي الذي يكمن وراء استخدام أمريكا قنبلتين وليس قنبلة واحدة، لأنه ببساطة كان المشروع الأمريكي لصناعة القنبلة الذرية غير منتهٍ بعد وكان لابد من تجربته بشكل موسّع، وطبعاً ليس هناك أفضل من المدنيين للتجربة بدليل ما صرح به الطيار الذي نفذ المهمة عندما قال: “لقد كانت لدينا أحاسيس، ولكن وجب علينا أن نضعها جانباً، علمنا أنها ستقتل العديد من الناس، ولكن اهتمامي الوحيد كان أن أبذل أفضل ما لدي، حتى نتمكن من إنهاء القتل بأسرع وقت ممكن، والحجج والأعذار الأمريكية ستخلق فيما بعد وليس هناك مشكلة فالعملية مسألة وقت لا أكثر”.
كان ذلك سبب استخدام النووي من الأساس، أما سبب استخدام قنبلتين وليست واحدة فهو للتجربة لأن الأولى كانت يورانيوم أما الثانية فكانت بلوتونيوم. أما القرار الرسمي لاستخدام القنبلة الذرية فقد صدر عن الرئيس الأمريكي “ترومان” بالذات معللاً قلق الأمريكيين على حياتهم خوفاً من غزو ياباني محتمل، وهناك دوافع أخرى بالطبع غير معلنة وهي مهمة منها استعراض العضلات أمام الاتحاد السوفييتي سابقاً، واستخدام تلك التكنولوجية الحديثة التي كلفت أكثر من 2 مليار دولار فكانت بالنسبة لبعض الفيزيائيين أهم من اختراع النار.
ومنذ ذلك التاريخ المشؤوم بدأ عالم جديد تماماً، عالم تحكمه قوة واحدة اسمها الولايات المتحدة الأمريكية، عالم تحكمه قوانين الذرة وألاعيب الأسلحة النووية التي باتت تُستخدم في وقتنا الحاضر كوسيلة ضغط سياسية، فمن أجل “السلاح النووي” تحاصر أمريكا إيران، وبذريعته احتلت أمريكا العراق، ومن أجله أيضاً حوصرت كوريا الديمقراطية، في حين تتعامى أمريكا وغيرها من الدول الغربية عن “إسرائيل” التي تمتلك مفاعلاً نووياً يُسمّى مفاعل “ديمونة” ولديها أكثر من مئتي رأس نووي!.