سينما الطفل في ندوة شآم والقلم: مشروع لم يكتمل
بدا من الحوار الغني والمطول الذي دار في ندوة شآم والقلم حول سينما الطفل في سورية أن ما ينطبق على السينما السورية ينطبق على سينما الطفل، فما هو موجود تجارب فردية ومحاولات ما زالت تحاول أن تشق طريقها في سينما يتفق الجميع على أنها الأصعب.
محاولات فردية
شارك في الندوة التي عقدت مؤخراً في مركز ثقافي أبو رمانة بإدارة الإعلامية فاتن دعبول الأساتذة باسم خباز مدير مشروع سينما الطفل في المؤسسة العامة للسينما والمخرج المهند كلثوم صاحب مشروع يلا سينما والمخرج الكاتب أيهم عرسان الذي في رصيده عدد من الأفلام السينمائية التي توجه من خلالها للطفل، بالإضافة إلى الشابين ربيع جان وشادي اللذين سبق وأن شاركا في عدد من أفلام المؤسسة العامة للسينما.
بيّن أيهم عرسان في بداية الندوة أنه ليس لدينا سينما طفل، وما هو موجود محاولات فردية يقوم بها المخرجون والكتّاب الذين لديهم اهتمام بهذا النوع من السينما التي هي بحاجة حقيقية لوجود جهات رسمية تتبنى المشاريع التي تتوجه إلى الطفل، سواء كانت سينمائية أم تلفزيونية، وقد ازدادت أهميتها بعد سنوات طويلة من الحرب التي كان فيها الطفل الحلقة الأضعف، موضحاً عرسان أن هناك خلطاً بين الأعمال الموجهة للطفل والأعمال التي تتضمن شخصيات أطفال، حيث نرى أعمالاً كثيرة يُشارك فيها أطفال ولكن القضية العامة لها ليست متعلقة بالطفل وقضاياه، وبالتالي لا تُعد هذه الأعمال موجهة للطفل، حيث العمل الموجه للطفل هو العمل الذي يستهدفه ويخوض في عالمه بشكل مباشر ويناقش قضايا تتعلق به من خلال اعتمادها على خطاب مختلف يتناسب مع عمر ووعي الطفل ونظرته للأشياء من خلال مخرج لديه قدرة كبيرة على وضع نفسه مكان الطفل، مؤكداً عرسان أن كتّاباً ومخرجين كباراً يتهيّبون العمل في سينما الطفل لأنه عمل شاق وصعب، ويحتاج لتكنيك وتقنية شديدة الخصوصية على صعيد الكتابة وإدارة العمل وتصويره ومونتاجه، وعبَّر عرسان عن أسفه لعدم وجود قطاع لإنتاج أعمال تتوجه للطفل من خلال أعمال محلية تغني عن متابعة الطفل السوري لأعمال مستوردة بعيدة بمضامينها وموضوعاتها عن مجتمعنا، في حين أن القطاع الخاص برأيه يجب أن يكون مبادراً أيضاً ولكن من خلال منتج شجاع ومثقف يؤمن بأهمية ما سيقدمه، مع تأكيده في الوقت ذاته على ضرورة تهيئة أجيال قريبة من السينما ولديها ذائقة سينمائية.
مشروع سينما الطفل
وتناول باسم خباز معاون المدير العام لمؤسسة السينما مدير مشروع سينما الطفل في حديثه مسيرة المؤسسة العامة للسينما والظروف الإنتاجية التي مرت بها المؤسسة وجعلت إنتاجها من الأفلام قليلاً وبالتالي كان من الصعب ضمن هذه الظروف وجود سينما موجهة للطفل، لكن مع زيادة الإنتاج تدريجياً بداية من العام 2005 بدأت تظهر فكرة إنتاج أفلام سينمائية خاصة بالطفل، وكانت الباكورة فيلم أنيميشن بعنوان “خيط الحياة” ثم فيلم “رحلة اليمام الماسي” بالتعاون مع شركة حجازي التي سرعان ما توقف عملها، ورأى خباز أن المؤسسة العامة للسينما قامت بأول إجراء حقيقي للبحث عن أفلام موجهة للأطفال حين طرحت المسابقة السنوية لنصوص فيلم الواقع الراهن وفيلم الطفل، ونتيجة هذه المسابقة أصبح لديها سيناريوهات تعمل على تنفيذها بشكل متوالٍ.
وكمدير لمشروع سينما الأطفال الذي أطلقته المؤسسة بشكل رسمي عام 2019 وقامت بتخريج دفعتين من الأطفال بعد تعريفهم بفن السينما نوه خباز إلى أن المشروع كان من المفترض أن يرى النور قبل العام 2019 إلا أنه تأجل لحاجته للدعم المادي، ولكن في الوقت الذي كان فيه المخرج المهند كلثوم يعمل على مشروع يلا سينما في مدارس أبناء وبنات الشهداء تم التعاون معه لإطلاق مشروع سينما الأطفال بذات الوقت، وكان الهدف من المشروع التوجه للفئة الأكثر تضرراً بالأحداث التي مرت في سورية، مبيناً أن مشروع سينما الطفل أريد له أن يكون مشروعاً عاماً وشاملاً لأطفال سورية ولكن تم تجميده بسبب كورونا، ولولا ذلك كان من المفترض اليوم الوصول به إلى مراحل متقدمة، متمنياً خباز عودته بأقرب وقت لأنه مشروع هام، ولم يخفِ خباز أن فكرة التعاون مع وزارة التربية في مجال سينما الطفل كانت قائمة وتم الاشتغال عليها كثيراً في السنوات الماضية من خلال اقتراح عدة مشاريع كإنجاز أفلام قصيرة مستوحاة من المناهج وتقديمها للوزارة بشكل مجاني ومشاريع أخرى، وإلى الآن لم يحدث أي تجاوب بسبب وجود أولويات أخرى لدى الوزارة.
خارج الأولويات
وأكد المهند كلثوم مدير مشروع يلا سينما في مدارس بنات وأبناء الشهداء وصاحب التجارب والعديد من المشاريع في مجال الطفل أن مشروع سينما الطفل موضوع حساس، وفي بلاد أخرى يُعد مشروعاً قومياً بينما ما زال عندنا يقوم على المبادرات والتجارب، والمشكلة برأيه تكمن في أن السينما السورية بالعموم ما زالت مجرد تجارب ولم تتحول إلى صناعة بعد، حيث تنتج المؤسسة أفلاماً حسب الإمكانيات والميزانيات وهواجس كل مخرج، مع إشارته إلى أن الدخول في عالم الطفل وموضوعاته أمر غير مرغوب به عند مخرجينا، وسينما الطفل مازالت خارج أولويات الجهات المعنية، مع وجود تقصير من قِبل المنتجين على هذا الصعيد، فحتى برامج الأطفال العادية تعاني اليوم من قلة الاهتمام فما بالنا بالأفلام السينمائية الكبيرة الموجهة للطفل وهي أفلام تخضع لمعايير دقيقة ولا يقوم بصنعها إلا من كان لديه شغف حقيقي لتقديم ما يحتاج إليه الطفل، مؤكداً كلثوم أن لا أحد يشجع سينما الطفل التي هي بحاجة إلى مخرجين وممثلين وكتّاب قادرين على تبني ودعم هذا المشروع بأبسط الأدوات، منوهاً إلى أن مشروع سينما الطفل كان مشروعاً نوعياً لكن دائماً اليد الواحدة لا تصفق ولو لم يجمّد كان يحتاج إلى تشبيك بين المؤسسة العامة للسينما ووزارة التربية ليكون مشروعاً تشاركياً للوصول إلى أكبر فئة من الأطفال في المحافظات السورية، مؤكداً كلثوم أن هناك الكثير من المشاريع التي تم طرحها في المؤسسة العامة للسينما والمؤسسات المعنية، ولكنها كانت تتغير مع تغيّر القائمين على المؤسسات، لذلك تمنى على القائمين على وضع السياسات التعليمية والثقافية في بلدنا اعتماد منظومة تشاركية لأن الاهتمام بالطفل ليس حكراً على وزارة بعينها للخروج بصيغة مجمعات فنية كاملة يمارس فيها الطفل جميع أنواع الفنون وليس فقط السينما.
سينما غير موجودة
وأشار ربيع جان وهو ممثل شارك كطفل في العديد من الأفلام السينمائية أنه كان أحد المستفيدين من مشروع سينما الطفل الذي تخرج منه عام 2019 وقد استطاع من خلال هذا المشروع الاطلاع على كل العناصر المساهمة في صنع الفيلم السينمائي، مشيراً إلى أهمية الاعتناء والاهتمام بما يقدم للأطفال، موضحاً أن سينما الأطفال التي تناقش موضوعاً يخص الطفل من خلال ممثل طفل غير موجودة في سورية، فمعظم الموضوعات التي تناقشها الأفلام تخص الكبار، وإن وجِد طفل من الأطفال فهو يحضر للضرورة دون أي تأثير يُذكر، مؤكداً أن سينما الأطفال يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من السينما العادية، ومعظم الأطفال يتمنون وجود أفلام موجهة لهم باللغة العربية تكون قادرة على مخاطبة عقلهم، منوهاً إلى أنه في هوليود هناك شركتان خاصتان بالسينما الموجهة للأطفال هما ديزني وبيكسار، لذا فإن سينما الأطفال هي صناعة قائمة بحد ذاتها، ومن الضروري في هذه المرحلة –برأيه- دخول هذه الصناعة إلى سورية من خلال إنجاز أفلام تحكي قصصاً مناسبة للأطفال وتقديمها بصورة بصرية ولغة سينمائية ومن خلال شخصيات قريبة من الأطفال على صعيد الشكل والمضمون.
قليلة وغير كافية
ورأى شادي جان الذي شارك أيضاً في عدد من الأفلام السينمائية أن هناك محاولات فردية لصناعة أفلام خاصة بالأطفال لكنها قليلة وغير كافية ولا أحد يعرفها وهي تحتاج إلى تسويق صحيح، وكذلك التركيز على أن تكون أفلاماً متقنة، منوهاً إلى أنه في الغرب هناك أفلام للأطفال تُحاكي قضاياهم وتحقق إيرادات عالية وإقبالاً كبيراً جداً، في حين ما زال المنتجون السوريون يخشون إنجاز أفلام للأطفال، مؤكداً أن سينما الطفل تحتاج إلى مُنتج شجاع ومُخرج شجاع وكذلك جهة أو شركة إنتاجية تتبنى سينما الطفل تبنياً صحيحاً، فعندها برأيه نصل لسينما طفل جيدة.
أمينة عباس