الحرب الأهلية تتربص بحنوب السودان
أعاد عزل رياك مشار نائب الرئيس سلفا كير من منصب رئيس الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان، في خطوة وصفها حلفاؤه بـ “الانقلاب”، البلد، الذي ينهشه الفقر، إلى دائرة الاشتباكات الدموية التي من شأنها أن تنسف عملية السلام الهشة وتعيده للحرب الأهلية في ظل وجود جماعات مسلحة غير خاضعة لسيطرة الدولة.
واندلعت معارك طاحنة السبت بين فصائل متناحرة داخل الذراع العسكرية للحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان بعد انقسامها بين مؤيد ورافض لخطوة الإطاحة بمشار من زعامة الحزب، في تطوّر جديد في تاريخ هذا البلد المضطرب.
وفي هذا الإطار قال المتحدث باسم الحزب في بيان اليوم السبت، إن 30 على الأقل من جنود جنوب السودان قُتلوا وأصيب 13 آخرون في اشتباكات بين قوات موالية لمشار وفصيل منشق.
وفي خطوة تهدد بتقويض عملية السلام الهشة أصلاً في البلاد، أعلن القادة العسكريون المنافسون لحزب الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان-المعارضة الذي يتزعمه مشار يوم الأربعاء الإطاحة به من زعامة الحزب وقواته المسلحة، وتبع ذلك تسمية رئيس هيئة الأركان العامة للحزب الجنرال سايمون قاتويج دوال من قبل الجناح العسكري زعيماً مؤقتاً للحزب.
ووصف حلفاء مشار الخطوة بـ”انقلاب فاشل” ، منددين بـ”أعداء السلام”، معربين عن دعمهم الكامل لنائب رئيس دولة جنوب السودان.
ويوم الخميس اتهم مشار، الذي لعب دوراً كبيراً في التوصل إلى اتفاق سلام في عام 2018 مع الرئيس كير، القادة العسكريين المنافسين بمحاولة عرقلة عملية السلام في البلاد.
ووقعت الاشتباكات الأخيرة في منطقة أعالي النيل بين قوات موالية للجنرال دوال وقوات تساند مشار، وقال لام بول جابرييل المتحدث باسم حزب مشار: إن قوات الحزب ردت “دفاعاً عن النفس” وقتلت قائدين كبيرين وأكثر من 27 جندياً. وأضاف أن من كانوا يقاتلون في جانب حزب الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان-المعارضة خسروا ثلاثة جنود خلال الهجوم.
ولم يتسن التحقق من صحة هذا التقرير من مصدر مستقل. ولا تعمل شبكات الاتصالات بكفاءة في منطقة أعالي النيل.
وقد يشكل القتال ضغطاً إضافياً على اتفاق السلام الهش الذي أبرم في 2018 لتقاسم السلطة بين مشار وخصمه القديم كير. وقد انهى هذا الاتفاق حرباً أهلية دامية في أحدث دولة في العالم وأسفر عن حكومة ائتلافية.
ومن المبكر بعد تحديد عواقب الانقلاب الداخلي على مشار الذي يُعدّ شخصية محورية في السياسة عاصر سنوات من الحرب الأهلية وتعرّض لمحاولات اغتيال ولفترات نفي.
وتمكن مشار لفترة من استمالة عدد من مسؤولي المجتمع الدولي بابتسامته العريضة وطلاقة لسانه. لكنه يثير الريبة في جنوب السودان بسبب تحالفاته المتقلبة التي غذت أحلك مراحل تاريخ هذه الدولة الفتية.
أعادت التحولات التي طرأت على تحالفات مشار صياغة التاريخ الدموي للبلاد، ففي شباط 2020 أعاد مشار تشكيل حكومة وحدة وطنية، أضعفها على وجه الخصوص التطبيق الصعب للعديد من نقاط هذا الاتفاق.
ويواجه مشار في هذا الصدد معارضة متنامية في صفوف حزبه، مع وجود فصائل متعارضة وتذمر مسؤولين من خسارتهم في الاتفاق مع الحزب الحاكم.
ويأتي هذا الانقسام السياسي فيما تواجه البلاد عدم استقرار مزمناً وكارثة اقتصادية ومستويات عالية للغاية من انعدام الأمن الغذائي هي الأسوأ منذ الانفصال بين الشمال والجنوب قبل عشر سنوات، مع مواجهة عشرات آلاف الأشخاص ظروفاً ترقى إلى المجاعة.
وانفصلت دولة جنوب السودان عن جمهورية السودان في 2011 لكنها انزلقت إلى اقتتال داخلي بعد عامين عندما تقاتلت قوات موالية لكير مع قوات مشار في العاصمة. وتسبب ذلك في مذبحة راح ضحيتها مئات المدنيين في جوبا من قبيلة النوير التي ينتمي إليها مشار، مع تصاعد العنف العرقي الوحشي وأعمال القتل الانتقامية، وأودت حرب أهلية بحياة زهاء 400 ألف شخص وتسببت في أكبر أزمة لجوء في أفريقيا منذ الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.