فرح الدبيات: في بيتي “مسرحية”
بعيداً عن خشبة المسرح والشكل التقليدي لفرجة المسرحية، اختارت المخرجة فرح الدبيات بيتها العربي القديم ليكون بديلاً عن خشبة المسرح لتقديم مسرحيتها “مسرحية” رغبةً منها في تقديم صيغة مسرحية جديدة بالتعاون مع فريق عمل وصفته الدبيات في حوارها مع “البعث” بأنه أكاديمي ومتخصّص ومتعاون ومتفاهم، وقد وضعت نصب عينيها هدفاً واحداً هو نجاح العرض وإيصال فكرته، الأمر الذي جعلها مطمئنة إلى سير العمل في المسرحية، مبينة أن العمل الجماعي كان هدفها منذ البداية، ويعود الفضل له بأن المسرحية أبصرت النور.
نساء متعبات
وعلى الرغم من أن الإخراج بالنسبة لها ليس حالة طارئة -لها تجارب سابقة- بل ناتجة عن رغبة وقرار وطموح وتخطيط واطّلاع، وهي التي درست في المعهد العالي للفنون المسرحية وتخرجت منه -2017- وقد أصبحت قادرة على نقل النص من الورق إلى الفضاء الخارجي عبر علاقات وشخصيات من لحم ودم، إلا أنها تعترف أنها عندما اتخذت القرار كانت خائفة من خوض التجربة، ولكن دعم وتشجيع المحيطين بها منحها الجرأة للخوض في عمل يتناول موضوع المرأة، وهي أصلاً جزء منه، فحاولت تقديمه مستفيدة مما سمعت ورأت أنه يحدث مع المرأة، وخاصة في ظل الحرب ومنعكساتها القاسية التي عطّلت العجلة الفنية والإنسانية وشوّهت العلاقات، منوهة بأن العرض كان من المفترض تقديمه على خشبة مسرح إلا أنها قرّرت بعد ذلك أن تقدمه في بيت عربي، وساعدها كثيرون لتحقيق هذه الفرضية فنياً باختيار مكان بديل عن المسرح، شرط استغلاله بشكل جيد، وكان البديل هو البيت العربي الذي يشبه دمشق وأي مدينة أخرى تضمّ نساء متعبات مضغوطات لم ينلن حقهنّ وبحاجة لمن يفهمهن ويقدّر ظروفهن، لذلك كان همّها كمخرجة أن تهتمّ بالمضمون أولاً من خلال النقاش الطويل مع الكاتب حول المجتمع السوري ووضع المرأة في منطقة مرّت بها الحرب وعاشت الفقر، فكان من الضروري تسليط الضوء على مشكلاتها ليفكر المتلقي بها عبر تقديم صورة فنية له واحترام عقله وتقديم مضمون يخصّه ويحكي عن مشكلاته، وهذا برأيها من واجب الفنان، فمهمته أن يراقب ما يحدث في المجتمع لينقل مشكلاته ويوصلها إلى المتلقي بأي نوع وطريقة وشكل، مؤكدة أن أي عمل إذا لم يُحدِث تغييراً فسيساهم في التوقف عنده والتفكير فيه، لذلك حرصت في المسرحية على استعراض حالات إنسانية بشكل واضح، وأحياناً بشكل عنيف ومؤلم وكوميدي بالوقت نفسه ليعرف المتلقي مقدار ما أحدثته هذه المشكلات على النساء وعلاقتهن مع بعضهن وعلاقتهن مع الرجل ومع المجتمع.
تجمع هيك
وتشير الدبيات إلى أنها ومنذ أن كانت طالبة في المعهد وفكرة “التجمع هيك” تراودها مع مجموعة من الأصدقاء المختصين الأكاديميين، وبعد التخرج ظلت على تواصل فني وإنساني معهم بشكل دائم، وقد تطور هذا التواصل والتعاون لمرحلة استطاعت فيها أن تحقق ما كانت تحلم به، بحيث أصبح العمل يضمّ اليوم مجموعة مهمة من الأكاديميين المعروفين والذين في رصيدهم العديد من الأعمال، مبينة أن وجود التجمع كان ضرورة ملحة لأن تقديم الأعمال من خلاله يوطد العلاقة والتعاون مع نقابة الفنانين ويسهل تنفيذ الأعمال، لذلك فإن أي عمل ينجز اليوم وفي المستقبل سيكون تحت مظلة التجمع.
الحكم للجمهور
وتؤكد الدبيات أنها كانت محظوظة بوجود الكاتب أمير أبو الخير الذي استغلّ المكان البديل بأجمل شكل درامياً وبصرياً بمساعدة أ. محمد وحيد قزق ود. عروب المصري في الديكور، ورامي الضللي في التأليف الموسيقي والتقنيات، حيث كتب أبو الخير نصاً جميلاً وجريئاً من خلال تناوله لموضوعات مهمة وجديدة ومختلفة عمّا هو معتاد، وكانت مهمتها كمخرجة تحويله إلى واقع، موضحة أنها في البداية ذهبت به إلى الأقصى في التجريب، ثم وفي المراحل اللاحقة وضعت حدّاً له بوجود الممثلات والدراماتورج لتنتهي المسرحية بوجود فصلين، يضمّ كل واحد منهما مشهدين، لكل منهما فكرة مختلفة عن الآخر يتمّ تقديمها بنوع أداء معيّن ليبقى العامل المشترك بين كل المَشاهد هو مشكلات المرأة السورية التي تتعرّض لها نتيجة الكثير من الضغوطات التي تعيشها، مؤكدة أن تنفيذ التجربة لم يكن سهلاً، ولكن كان من الضروري الخوض في هكذا تجارب، مؤكدة أن الحكم على العرض سيكون من قبل الجمهور، وإن كانت مؤمنة أنها اجتهدت مع فريقها لإيصال العرض إلى برّ الأمان.
عرض مختلف
وتبيّن فرح الدبيات أن الجميع كان متفقاً على أن يكون الجمهور جزءاً من العرض بهدف تقديم شكل عرض مختلف ومتطور عن المسرح التقليدي المعتاد، ولا تخفي أنها كانت مخاطرة إلا أنها تجرأت على خوضها، خاصة وأن التواصل بين المشاركين في العمل كان عالياً. من هنا كان الجمهور جزءاً من اللعبة المسرحية التي تقدمها ليعيش الحالات التي تمرّ بها المرأة وهو جالس في البيت العربي وتحيط به الأحداث والفضاءات المسرحية والشخصيات التي تتحدث عنها المسرحية عبر ممثلات تربطها بهن علاقة صداقة، وهنّ ممثلات معروفات قدمن نوعاً معيناً من الأداء تمّ التوصل إليه تدريجياً عبر البروفات بفضل التفاهم والتفهم الكبير من قبلهن. ولا تخفي الدبيات أنها كونها ممثلة ساعدها كثيراً كمخرجة بأن تتعامل معهن بشكل جيد، خاصة وأنها تعرف طريقة تفكيرهن وإحساسهن ومشاعرهن كممثلات تجاه الديكور والملابس والإضاءة، وكانت النتيجة برأيها ممتازة بفضل الثقة المتبادلة بينهن وبينها، ولأنهنّ نساء أيضاً ولديهنّ مشكلات وهموم، وهذا ساعدهنّ على إعطاء الأحاسيس المطلوبة في المسرحية، مشيرة إلى أنها حاولت تقديم بعض النصائح والملاحظات لهن للمساعدة، وقد فوجئت باستجابتهنّ السريعة وأدائهنّ المبدع، وهذا يدلّ على الاحترافية الكبيرة التي عملن بها.
المحاولة دائماً
وتوضح فرح الدبيات أنها في حال استمرت في مجال الإخراج فسيكون هدفها الأساسي المحاولة دائماً من خلال هذه المهنة التي درستها، ولأننا كجمهور بحاجة لعروض مسرحية وأفلام سينمائية، خاصة وأن الفن ليس حكراً على اختصاص واحد، والمجال مفتوح لتقديم الأفكار واختيار النوع الفني المناسب، وهي ستسعى دوماً لأن تطور نفسها مع فريقها الذي تعتبره لبنة أساسية في عملها، وهي المؤمنة بأن المخرج لا يساوي شيئاً بلا فريق وكادر منسجم، من هنا تعد بأنها ستسعى لتثبيت أقدامها في الإخراج المسرحي وتقديم موضوعات تهمّ المرأة والجيل الحالي الشاب وتسليط الضوء على المشكلات التي تواجه البشر، كما ستستمر في التجريب حتى تستطيع التأثير في الناس وطريقة تفكيرهم عبر تقديم أشياء جديدة على جميع المستويات، وستبقى على تواصلها مع مجموعة مهمة من الموهوبين والأكاديميين المعروفين والتعلم منهم لتطوير أفكارها وتنفيذ الهدف الأساسي من مهنتها، مشيرة إلى أنها كممثلة والكاتب أمير أبو الخير ستقدم قريباً عملاً آخر.
مسرحية “مسرحية” لتجمع هيك، إخراج فرح الدبيات، دراماتورجيا أمير أبو الخير، تمثيل لوريس قزق ومرح حسن ومرح حجاز، تصميم الديكور محمد وحيد قزق، تأليف موسيقي والتقنيات رامي الضللي، تصميم إضاءة مجدي المقبل، تصميم بوستر محمود داوود، تصميم بروشور نيكول عبيد، تنفيذ فني للديكور والإكسسوار عروب المصري، فوتوغراف وميكينغ أوف سلاف المكي، تحريك ديكور وتنفيذ الإضاءة أحمد حميدي، آدم غندور، عيسى الشريفي، كبرئيل عمسو، نيكول عبيد. وشكر خاص: علي وجيه، عبود الكردي، أدموند ديرديريان، غياث طباخ، بانة بلال، أمجد المر.
تستمر عروض “مسرحية” لغاية 12 الشهر الجاري في باب شرقي، طالع الفضة، قرب غاليري قزح- 9:30 مساءً.
أمينة عباس