“الترامبية” في الدم الأمريكي
إعداد: عائدة أسعد
غادر دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية بطريقة مذلّة، ولكن كلّ الدلائل تشير إلى أنه سيخوضها للمرة الثالثة، فهو قريب من الأذهان حتى لو كان بعيداً عن الأنظار اليومية، ولا يزال شخصاً مهماً بالنسبة للديمقراطيين.
من المتوقع فوز ترامب بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة للمرة الثالثة وأن يكون خيار الحزب التالي للبيت الأبيض، وحسب استطلاعات للرأي ينظر 76٪ من الجمهوريين إليه بشكل إيجابي، وخاصة بعد تغلب مرشحه على منافسيه المؤهلين للفوز في الانتخابات التمهيدية للكونغرس الجمهوري في أوهايو هذا الأسبوع، وقال عنه ديفيد فروم كاتب خطابات بوش السابق: “ما لم يكن ميتاً أو غير قادر على الإطلاق بحلول ذلك الوقت فهو المرشح الأكثر ترجيحاً لعام 2024”.
إن انتخابات 2024 ستكون قبل أيام قليلة من عيد ميلاد جو بايدن الـ82 والذي في حال ترشح للرئاسة سيطلب البقاء في المكتب البيضاوي حتى يبلغ من العمر 86 عاماً، وسيتردّد العديد من الأمريكيين قبل الموافقة على هذا الطلب، بينما سيكون ترامب في عمر 78 عاماً فقط وقادراً على الترشح كـ”مرشح شاب”، وإذا لم يكن بايدن هو المرشح وكانت كامالا هاريس أو أي ديمقراطي آخر فسيكون ترامب قادراً على هزّ نغمات الحرب الثقافية المألوفة التي جعلته ينتصر في عام 2016، ويقترب من النصر في عام 2020. وعلى افتراض أن هذا السيناريو بعيد جداً لكن يجدر بالذكر أنه حتى لو لم يعد ترامب أبداً فإن “الترامبية” موجودة بالفعل في مجرى الدم الأمريكي.
لقد كان البعض يأمل في أن تؤدي محاولة التمرد في السادس من كانون الثاني إلى كسر التعويذة، مما يحرّر هؤلاء الجمهوريين الذين ظلوا مخلصين لترامب معتقدين أنه حتى لو كان فظاً ومتعصباً وأنانياً فهو في النهاية غير مؤذٍ ويعتقد المتفائلون أن مشهد رئيس أمريكا وهو يثير حشداً من الغوغاء لاقتحام مبنى الكابيتول لإلغاء نتائج انتخابات سيقنع معظم الجمهوريين في هذه النقطة الحاسمة.
والادعاء بأن انتخابات 2020 قد سُرقت وأن ترامب لا يزال الرئيس الحقيقي، وأن بايدن مغتصب، كان مجرد فقرة من أحلام ترامب الحميمة، وهي آلية نفسية لحماية غروره من حقيقة الهزيمة، لكن شعار “أوقفوا السرقة” أصبح الآن أحد بنود إيمان الجمهوريين، خاصةً وأنه بعد تسعة أشهر يعتقد غالبيتهم أن ترامب فاز وخسر بايدن، رغم كل الأدلة وسلسلة من الأحكام القضائية التي وجدت أن كل ادعاء بتزوير الناخبين لا أساس له من الصحة.
وتلتصق أفكار الجمهوريين بالسمات المميزة الأخرى لـ ترامب 2020 وهي رفض الإيمان بواقع كوفيد 19 والقيام بما هو مطلوب لإحباط الفيروس. إن “الترامبية” تجري في عروق الأمريكيين وما يشاركونه هو ازدراء الخبرة والحقائق، سواء كانت تتعلق بطبيعة الفيروس أو مجموع الأصوات التي تمّ الإدلاء بها في تشرين الثاني الماضي، فقد أصاب فيروس ترامب كل أعضاء حزبه وما إذا كان هو نفسه سيعود أم لا هو أمر ثانوي تقريباً، فقد التهم المرض بالفعل الحزب السياسي الذي يشكل نصف الجسد الأمريكي.