روسيا الواقعية
تقرير إخباري
يعتبر المستشار الروسي والباحث السياسي المحنك إلكسندر دوغين أن الخرف في ازدياد وهو يؤثر على الدوائر السياسية ودوائر الخبراء، إلا أنه من الضروري الحفاظ على بعض الرصانة والعقلانية. وهنا من الضروري النظر إلى روسيا وسياساتها ككل من مسافة معينة.
وبرأيه، فإن المفتاح لفهم جميع العمليات السياسية التي تتكشّف في روسيا المعاصرة هو المواجهة العالمية بين نموذجين للنظام العالمي المستقبلي. هذا هو الاختلاف الأساسي بين العولمة والتعددية القطبية، التي تصفها نظرية العلاقات الدولية بأنها الجدل الكبير بين الواقعيين والليبراليين. وبوتين هو واقعي كلاسيكي عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الدولية، لأنه يرى السيادة الوطنية لروسيا على أنها شيء مطلق.
لهذا، يجب أن تكون روسيا مركزاً مستقلاً لصنع القرار العالمي، ويجب أن تكون السياسة الداخلية خالية تماماً من التأثير الخارجي. إما أن تكون روسيا ذات سيادة، أو لن يكون هناك المزيد من روسيا، هذا بالضبط ما يعبّر عنه بوتين بوضوح شديد.
لكن هناك وجهة نظر معاكسة تمثلها الليبرالية في العلاقات الدولية، هذا هو موقف جو بايدن وإدارته. هذه هي العولمة المعتادة التي ترى تاريخ العالم كتقدم خطي يقود العالم بلا هوادة من عصر الدول القومية، الذي ينتهي الآن، إلى حكومة عالمية فوق وطنية. ويعرف أي خبير في العلاقات الدولية أن حكومة العالم ليست نتاجاً لنظريات المؤامرة الوهمية، ولكنها الهدف المعلن بوضوح والمعلن عنه لليبرالية عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الدولية. في هذه الحالة السيادة التي يصرّ عليها بوتين تتعارض بشكل مباشر مع العولمة والنظام العالمي الليبرالي.
قد يتفاجأ المرء بمدى ردّ فعل الأمريكيين المؤلم على أي تدخل في سياساتهم الداخلية، بينما هم يتدخلون بشكل صارخ ومتعجرف في السياسة الروسية، وفي شؤون بيلاروسيا، والمجر، أو إيران، فهم يدعمون أي عنصر متطرف هامشي طالما يساهم في إضعاف السيادة ودفع البلاد إلى حالة ركود.
هذه ليست مجرد ازدواجية في المعايير وكذبة صارخة من الغرب، حيث يعتقد الليبراليون أن تدخلهم هو تقدم، لأنه يؤدي إلى إلغاء الدول القومية والحكومة العالمية، وأن أي ردّ مماثل من الواقعيين هو أمر فاضح، حتى إجرامي. وهذه ليست مجرد خطوة منطقية من جانب أولئك الذين تعرضوا للهجوم في أراضيهم، لأن كل الأراضي بالنسبة لليبراليين هي ملكهم عن قصد. ومن هنا نجد هذا الضغط القويّ على روسيا والدعم المفتوح لعملاء العولمة الليبرالية.
هذه هي الخوارزمية الأساسية لما يجري في الواقع السياسي الروسي، أي الواقعية والسيادة مقابل الليبرالية والعولمة. حتى الانتخابات، والعمليات الاقتصادية، وقضايا الوباء والتطعيم، وتحولات الموظفين، وخلافة السلطة ذاتها التي ستصبح عاجلاً أم آجلاً حتمية، على الرغم من التأجيلات المؤقتة، إلا أن كل ذلك يعود في النهاية إلى المواجهة بين نموذجين للنظام العالمي.
إعداد: هيفاء علي